sábado, 17 de noviembre de 2012

الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي من الخليج إلى المحيط : ق6-ق21م


الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي:  من الخليج إلى
المحيط (ق6 – ق21م)

    لمقاربة موضوع " الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي ز من الخليج إلى المحيط (ق6 – ق21م)"، لابد من التنبيه مع عمر فتحي وفاتن غانم فتحي قولهما : "أما العناصر الموضوعية الطبيعية والتي تتمثل ’بالخيل والسلاح‘ فإنها عوامل مكملة وموضحة للعناصر الذاتية للبطل. ولقد افتخر العربي بخيله (...) وهي مندفعة في ساحات الوغى ولا تهاب رماح الأعداء المتشابكة (...). أما السلاح ’فإننا نلاحظ اعتداد العربي به في أشعاره [كتاباته الشعرية]، وأهم أنواعه هي السيف والرمح‘، وذلك لأنهما يبرزان مدى شجاعة صاحبهما في القتال (...) لأن المبارزة بالسيف يكون فيها المبارز مواجها لعدوه وجها لوجه..." – "البطل في شعر الخنساء"، www.aslimnet.free.fr ، ص.1. وحول الكتابة بالذات في الشعر العربي، نورد مع أحمد عبد الزهرة الكعبي (العراق/ ألمانيا) قوله : "المسوغ الذي دفعني للكتابة عن النموذج البلاغي [الكتابة في الشعر العربي] المتمثل في التشبيه [الخيل والسلاح] (...) هو قلة النماذج التي صدرت في هذا الميدان، وإن وجد فهو لا يبحثه بصورة عصرية (...)." – "التاريخ العربي في قصيدة التشبيه عند محمد الماغوط"، www.gehat.com ، ص.1. وللاطلاع على هذه الظاهرة التاريخ - ثقافية  في الشعر العربي، سوف نقف على المباحث البنوية التالية :  

    I- الشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط (ق6 – ق21م) :

    وفيما يخص مبحث الشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط (ق6 – ق21م)، يحضرنا بادئ ذي بدء قول رولان بارث (Roland Barthes) في تمثل الشاعر لذلته وللعالم من حوله : "بينما هذا الصراع [كتابة الشاعر مع الكلمات] يعيد إنتاج ’في اللج‘(en abyme) كل صراعات العالم؛ وهذه الوظيفة الرمزية للفنان قديمة جدا، عرضت للقراءة بوضوح أكثر من اليوم في أعمال الماضي، حيث المنشد، الشاعر، كان مكلفا بتمثيل العالم، ليس مآسيه فحسب [الخيل والسلاح]، ولكن أيضا مأساته الخاصة : فإكراهات الشعر، النشطة جدا في الأجناس الشعبية والتي أثار التحكم فيها إعجابا جماعيا شديدا [الملحمة]، لا يمكن أن تكون سوى صورة مماثلة لعلاقة ما مع العالم [القبيلة، والدولة، والعالم] : ليس هناك أبدا سوي جانب واحد من الصراع، وليس هناك سوى انتصار واحد [القصيدة، المعلقة]. لقد تضاءل هذا الرمز في الحداثة [الخيل والسلاح]، لكن الكاتب [التراث] هو بالضبط هنا لإيقاظه بلا انقطاع ، مهما كلفه من ثمن : وهكذا على غرار سولير (Sollers) هو في هذا الجانب ذا من العالم." – "Drame, poème, roman"، "Théorie d'ensemble"، Ed. Du Seuil، 1968، ص.40. لذلك نلاحظ صدى كرونولوجي (تسلسل زمني) لـهذا التصور عند الشعراء العرب من خلال الآتي :

   1- الشعر العربي والخيل : من الخليج إلى المحيط (ق6- ق21 م) :

   وعن الشعر العربي والخيل: من الخليج إلى المحيط (ق6- ق21 م)، نقرأ لعمر غانم فتحي وفاتن غانم فتحي قولهما : "ولقد افتخر العربي بخيله ووصفها بأنها سريعة (...) وهي مندفعة في ساحات الوغى، ولا تهاب رماح الأعداء المتشابكة بل أنها تجتازها في سبيل الوصول إلى هدفها المنشود (...). وأما فيما يتعلق بالخيل (...فلقد ارتبطت الخيل بالبطولة العربية ارتباطا صميما، وبخاصة في المجال الحربي..." - "البطل في شعر الخنساء"، المصدر السابق، ص.1-2. ومن هنا نشأت الفروسية، والفتوة التي انتقلت إلى أوربا في العصر الوسيط، حيث يذكر م. هامير – بورغستال (M. Hammer - Purgstall) في هذا الصدد قائلا : "إن هذه النقطة أهم بكثير بالنسبة لتاريخ الفروسية – العربية [الخيل] من الملاحظة التي أوردها السيد فورييل (Mr. Fauriel) عن مؤلف كوندي (l'ouvrage de Condé)، حول المرابطين [في الأندلس] (...). وبما أن علي [بن أبي طالب] هو زهرة  ونموذج الفرسان العرب، وأن غالب (Galib) أي الذي يغلب، هو أحد أسمائه، فالعلاقة بين أفكار ومشاعر الفروسية، التي ربطها البروفنسيون [بروفونس : جنوب فرنسا] بمختلف صيغ الغلوبية (galoubié)، وباسم أول فارس في الإسلام، بارزة للعيان." –La chevalerie des Arabes est antérieure à" "celle d'Europe، www.nonobissednominituodagloriam. unblog.fr ، ص.1-2. ونورد على التوالي صورة الخيل عند الشعراء العرب : من الخليج إلى المحيط (ق6- ق21 م من خلال المقتطفات التالية :

  أ - الخيل والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط قبل الإسلام  (ق6- ق7م) :

   ومن صور الخيل والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط قبل الإسلام (ق6- ق7م) ما يلي :

  + عنترة ابن شداد (525- 615م)، حيث قال مخاطبا ابنة عمه عبلة، ومحبوبته، وزوجته، مفاخرا بخيله، وصبره في القتال، وشجاعته في الحرب : 

        سل الخيل   يا  ابنة     مال      إن كنت جاهلة بما   لم   تعلمي
        يخبرك من شهد الوقيعة أنني     أغشى الوغي وأعف عند  المغنم
        يدعون عنترة والرماح كأنها     أشطان بئر   في   لبان   الأدهم
        فازور من  وقع  القنا  بلبانه     وشكا   إلي   بعبرة    وتحمحم
        لو كان يدري   ما المحاورة      اشتكى ولو علم  الكلام  مكلمي

   في المطلع الشعري نلمس إشارة في ’معلقة‘ عنترة ابن شداد إلى وصف لمعركة عربية بصورة حية، حيث القوم يحض بعضهم بعضا، والشاعر الفارس يخوض الغمرات، ومن حوله الفرسان يسدون عليه الطريق، وهو يسمع أصوات استغاثة رفاقه تناديه : ’أقدم يا عنترة!‘. لكنه لا يكتفي بذكر نفسه، بل يشرك فرسه في ذلك، فيجعل منه بطلا إلى درجة شخصنته حتى يكاد يصل به حد تصوره  حيوانا ناطقا كالبشر يحاوره، ويشكو إليه ألمه وهو يزور من شدة الجروح بعبرة وتحمحم.

   ومن معالم الكتابة في النص كل ما يوحي بفن الكلام، والحوار، والمجاز التشخيصي في علاقة بين الفارس عنترة وخيله الأدهم وموازاتهما في البطولة والاشتراك فيها إلى حد التطابق، وذلك عن طريق استخدام الإرداف، الذي يتجلى، حسب قدامة بن جعفر، في كون الشاعر يريد الدلالة على معنى من المعاني، فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى، بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه وتابع له : كوصف الخيل الأدهم = بوصف الفارس عنترة ( المحاورة، اشتكى، الكلام = عبرة، تحمحم، مكلم – عن د. محمد أحمد العزب، "طبيعة الشعر وتخطيط في النظرية في الشعر العربي"، منشورات ’أوراق‘، 1985، ص.116. وفي هذا الباب، تقول جاكلين ريسيت (Jacqueline Risset) : "الكتابة ليست انشغالا فائق الوصف – وليست اكتشافا نائيا. وليس هناك سوى عالم، والكتابة تتم فيه (بواسطة العالم، وبأطرافه) (...). والكتابة ليست مجالا محذورا؛ وليست أكثر على الورق، بالقلم، أو في غيره [الكلام]، وفي أي مكان [من العالم]." –"Questions sur les règles du jeu"،  "Théorie d'ensemble"، المصدر، ص. 266.

   + زهير ابن أبي سلمى (530 – 627م) : حيث يقول في مدح هرم ابن سنان الذي ساهم مع الحارث بن عوف في إنهاء الحرب بين قبيلتي عبس وذبيان في أرض غطفان، موطنه مادحا إياه :

           أليس بضراب  الكماة   بسيفه        وفكاك  أغلال  الأسير   المقيد
           ومدره حرب حميها  يتقي  به        شديد  الرجام  باللسان   وباليد
           كفضل جواد الخيل يسبق عفوه       سراع، وإن يجهدك يجهد ويبعد
    
  وفي أبيات ’معلقة‘ زهير ابن أبي سلمى الخاصة بمدح هرم ابن سنان وسعيه للصلح في حرب طويلة الأمد بين قبيلتي عبس وذبيان، فيصفه لا كبطل سلم مسالم بالشكل المطلق، ولكن قبل ذلك كبطل حرب ملتزم، يناصر الأسير، وكفارس مغوار له خيل سريع، وسباق للنصر، رغم جهود مناافسيه الأقوياء في ميدان الحرب. وهو شبيه بامرئ القيس حينما يصف خيله لمعشوقته، كمطية لا يستطيع غيره أن يركب صهوته، والذي تعجز الكلمات عن وصف جماله وقوته –  "طبيعة الشعر وتخطيط النظرية في الشعر العربي"، المصدر، ص.149.

   ومن حيث الكتابة، تتضمن أبيات زهير ابن أبي سلمى أن البطل الممدوح هرم ابن سنان الذي هو ليس فقط فارس حرب بل وفارس كلام يقحم خصومه ببلاغته، بقول الشاعر عنه أنه : شديد الرجام باللسان/ شديد الرجام باليد، أي يقابل في شخصه : اللسان/ اليد، علما بأن الشعر العربي كان قبل الإسلام شفاهيا غير مكتوب، وهو أيضا تلميح إلى أن الشاعر المادح/ وممدوحه يتساويان في فروسية اللسان، من حيث البطولة البلاغية، في مساجلات سوق عكاظ مثلا. وفي هذا الإطار يقول موريس بلانشو  (Maurice Blanchot) : "القصيدة – أي الكتابة والأدب – تبدو مرتبطة بالكلام الذي لا يمكن أن ينقطع، لأنها لا تتكلم، ولكنها هي ذاتها. فالقصيدة ليست ذلك الكلام، لأنها بداية، وهي ذاتها لا تبتدئ أبدا، بل تتكلم دائما من جديد ودائما تعود لتبتدئ مجددا. ومع ذلك، فالشاعر هو الذي قد سمع هذا الكلام، والذي سخر نفسه للتفاهم معه، كوسيط، والذي فرض عليه الصمت بمجرد التلفظ به." –"L'espace littéraire"،  Ed. Gallimard، 1955، ص.31. ومن السلاح والكتابة نرصد أيضا :

      ب - السلاح والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط  قبل الإسلام (ق6- ق7م) :
      
       وعن السلاح والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط  قبل الإسلام (ق6- ق7م)، يقول عمر غانم فتحي وفاتن غانم فتحي : ’أما السلاح’ فإننا نلاحظ اعتداد العربي به في أشعاره، وأهم أنواعه هما السيف، والرمح، وذلك لأنهما يبرزان مدى شجاعة صاحبهما في القتال، فكلما كانت طريقة استخدام السلاح قريبة من الأعداء، كلما برزت من خلالها شجاعة أبطالها..." - "البطل في شعر الخنساء"، المصدر، ص.1. وحول السلاح والكتابة ونفس النص نذكرما يلي:

   + عنترة ابن شداد (525- 615م)، حيث يقول في ’معلقته‘ الشهيرة يفاخر بشجاعته عبلة ابنة عمه مالك أيضا :

             ومدجج كره  الكماة   نزاله         لا ممعن هربا  ولا  مستسلم
             جادت يداي له بعجل  طعنة         بمثب صدق  الكعوب  مقوم
             فشككت بالرمح الأصم ثيابه         ليس الكريم على القنا بمحرم

  والرمح هنا لا السيف هو السلاح الذي بادر به البطل عنترة غريمه في المعركة ممتطيا فرسه الأدهم، لا يقلل من فروسية الشاعر المقاتل المتشابك مع رمح خصمه عن قرب واتصال، وهذا جاء في رأي عمر غانم فتحي وفاتن غانم فتحي، حينما أجزما بأن "أن المبارزة بالسيف يكون فيها المبارز مواجها لعدوه وجها لوجه، وكذلك الرمح فإنه يدل على دقة وثبات البطل في تصويبه نحو أعدائه. فالطعان به يكون من أعلى صهوات الخيل، أما الأسلحة الأخري كالسهام، والدرع فإنما تكون أقل أهمية في إبراز شجاعة وبطولة المقاتلين لأن السهام تطلق من أماكن بعيدة على الأعداء." وهو أمر يؤكد قيم الفروسية في الشعر العربي قبل الإسلام.

   ومن حيث الكتابة الشعرية هنا، فلا بد من استحضار الترويج الشفوي بالكلام والسؤال والجواب السابق وروده بين عنترة وعبلة، واستشهاده بالناس على صحة شعره وأفعاله وهو البطل الشاعر عنترة، ’ : سلي الناس يا ابنة مالك‘/ ’يخبرك من شهد الوقيعة‘/ ’قيل الفوارس ويك عنترة اقدم‘. وهو ما يوحي بأن الكتابة لم تكن هي حامل الشعر(le support de la poésie) بل غالبا الشفاه في جزيرة العرب قبل الإسلام، وهو كلام في بيئة كلام منطوق قبل أن يكون مكتوبا (كالمعلقات السبع الشهيرة). وتتدهور فروسية البطل بعد سقوط الأندلس (سنة 1492) في أوربا، لتصبح مهزلة "دون كيخوطي" (Don Quichotte) عند الكاتب الإسباني سيرفانتس (Cervantès) بنقلها كتابة عن راوية شفوية لمؤرخ عربي يدعى السيد حامد بنجلي (Cid  Hamet Bengeli). ويشير جيرار جونيت (Gérard Genette)، حسب الفيلسوف الإسباني أونامونو (Unamuno)، في هذا الصدد قائلا :

    "وهو ما يجعلنا نعتقد أن المؤرخ العربي السيد حامد بنجلي ليس مجرد إبداع أدبي، ولكنه يخفي حقيقة عميقة : أن القصة أمليت على سيرفانتس (Cervantès) من طرف آخر كان يحملها في ذاته، كخبر بقي ماثلا في أعماق نفسه. وهذه المسافة التي توجد بين قصة فارسنا وباقي أعمال سيرفانتس، هذه المعجزة الجلية والمشرقة هي السبب الذي يجعلنا نعتقد ونعترف بأن هذه القصة واقعية، وأن دون كيخوطي نفسه، مغلف في شخص السيد حامد بنجلي، الذي أملاها على سيرفانتس." "Figures, Essais"-، Ed. Du Seuil، 1966، ص.127. ومن خلال نفس النص أيضا:

   + زهير ابن أبي سلمى (530 – 627م) : حيث يقول حول السلاح والكتابة مادحا شجاعة هرم ابن سنان الذي سعى للصلح بين عبس وذبيان لإنهاء حربهما الطويلة المدمرة، في معلقته حول الحرب والسلم. ومنها هذه الأبيات :

           أليس بضراب  الكماة   بسيفه        وفكاك  أغلال  الأسير   المقيد
           ومدره حرب حميها  يتقي  به        شديد  الرجام  باللسان   وباليد

     وفي هذا المقطع الشعري يبرز زهير ابن أي سلمي مزية بطولة ممدوحه هرم ابن سنان في استعمال السلاح، سيفه، لنجدة المظلومين، وفك الأسرى المقيدين، كعنوان على شجاعته، وبسالته، وعلو مروءته. وفي مثل هذا يقول كل من عمر غانم فتحي وفاتن غانم فتحي مبينين : "أما ’السلاح‘ فقد كان عنصرا موضوعيا ماديا مهما من عناصر البطولة العربية، فيه تتحقق صفة البطل (...) وثباته في المعركة، وانتصاره، وامتاز السلاح (...) بخاصة - السيف والرمح – بالقوة، والصلابة، والحدة، والجودة العالية، إلا أن هذه الخواص لا تكتسب أهميتها الفاعلة إلا بفاعلية البطل، وبراعته في استخدامها، واستثمار مزاياه الخاصة. فبالسيف والرمح تبرز بطولة الأبطال في معارك القتال، لأن استخدام السيف يتطلب الالتحام الكامل مع العدو وفي ساحات المعركة، والرمح يستخدم من بعد في المعركة." - "البطل في شعر الخنساء"، المصدر ذاته، ص.2..

  وأما آثار الكتابة في نص زهير ابن أبي سلمى فتتجلى في نطق النص بصيغة الغائب، أي كنص سردي مصدره كلام الشاعر زهير وموضوعه ابن سنان، ومتلقيه قبائل العرب، من خلال عبارات : بسيفه (هرم ابن سنان)/ ومدره حرب...يتقي به التي تحيل على تساؤل الشاعر زهير : أليس بضراب الكماة بسيفه/ وفكاك أغلال الأسير المقيد؟ فالممدوح هرم هنا يتحلى بفضائل الأخلاق العربية النبيلة. فهو مفخرة قومه لنصرته لهم يخلد مجدهم بالشعر والسلاح : باللسان (قولا وكتابة)/ وباليد (السيف). وفي هذا المعنى يسجل،  موريس بلانشو (Maurice Blanchot) ما يربط الفنان  بعمله  قائلا :

    "وكما أن الشاعر لا يوجد إلا أمام القصيدة [والعشيرة العربية] وكما أنه يوجد بعدها، وإن لزم أن يكون هناك أولا شاعر لتكون هناك قصيدة (...). فالكتابة [أي الإنشاد الشعري الشفوي] من أجل اجتناب الموت، والركون إلى بقاء الأعمال [أي تداول الشعر العربي]، هنا يوجد ما يربط الفنان [الشاعر] (...) بعمله [شعر الفروسة العربي] (...). وتحصن كذلك الشخصيات الكبيرة التاريخية، والأبطال، ورجال الحرب العظام، وليس أقل من الفنانين [الشعراء] نفسها من الموت، ويدخلون ذاكرة الشعوب؛ وهم كأمثال، وحضورات فاعلة." - "L'espace littéraire"،  المصدر، ص.111-112.  
   
 2- الشعر العربي والخيل والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط في عصر النبوة (في ق7م) :

  وفيما يتصل بالشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط، في عصر النبوة (في ق7م)، نستحضر مع أحمد حسن الزيات ما يلي : "ظهر الإسلام وقد تحكمت في حياة العرب جاهلية قاسية، وعقلية جافة وعصبية مفرقة. فكان الشعر مظهر هذه الصفات وباعثها (...). فازور جانب المسلمين عن قول الشعر وروايته (...). ثم شغل الإسلام العرب جميعا بالدعوة العظمى : فمن مؤيد ومن معارض، واشتدت الخصومة بين الرسول [ص.] وبين قريش، فجردوا عليه الأسنة [السلاح] والألسنة [الشعر]، ولكن شعراء العرب وقفوا موقف الحياد والتربص ينتظرون نتيجة المعركة بين التوحيد والوثنية، وبين الديمقراطية والأرستقراطية، وقد كانوا قلالا قبل الإسلام (...). وبدأ هذه الحملة منهم عبد الله بن الزِِّبعْري، وعمرو بن العاص، وأبو سفيان، فآذوا الرسول وأتباعه بقوارض الهجاء (...)؛ فما هو إلا أن قال لهم: ’ماذا يمنع الذين نصروا الله ورسوله بأسلحتهم [الخيل والسلاح] أن ينصروه بألسنتهم [الشعر، والكتابة]؟‘ حتى نهض للقريشيين نفر من الصحابة، فيهم حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وشبوها حربا كلامية (...) على النمط المعروف من الفخر بالأنساب، والتبجح بالسؤدد." – "تاريخ الأدب العربي"، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، 1950، ص.102-103. وفي هذا الباب نذكر ما يلي :

  أ - الشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط في عصر النبوة (في ق7م):

   وفيما يخص الشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط في عصر النبوة (في ق7م):، نقرأ في ’موسوعة التعريف بالشعر العربي.. من العصر الجاهلي إلي العصر الحديث‘ التعريف التالي : "الشعر القصصي أو الملحمي : يسمى الشعر القصصي أو الملحمي لأنه يدور غالبا حول معارك حربية، وهو ذلك الشعر الذي لا يعبر عن ذات صاحبه، ولكنه يدور حول أحداث أو بطولات، وأبطال في فترة محددة من تاريخ الأمة (...). وهو يصور حياة الجماعة بانفعالاتها وعواطفها بعيدا عن عواطفه وانفعالاته [أي الشاعر]، ولا تظهر شخصيته إلا في أضيق الحدود. كما تعنيه عواطف الأبطال وانفعالاتهم أكثر من عواطفه وانفعالاته الخاصة." – "الشعر القصصي أو الملحمي"، www.bramjnet.com ، ص.1. ومن شعراء الخيل والكتابة الأفذاذ، لهذه الفترة، نستحضر ما يلي :

    + حسان بن ثابت (؟ – 674م) : وهو يقول في أبيات من قصيدته في مدح الرسول سيدنا محمد (ص)، يوم فتح مكة منوها بشجاعة المسلمين، وردا على أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي وأخيه في الرضاعة، الذي كان في الجاهلية يؤذي الرسول ويهجوه، ثم أسلم وحسن إسلامه، بعد أن عفا الرسول عن قريش، وقال كلمته المأثورة : ’اذهبوا فأنتم الطلقاء‘. إذ أنشد حسان قائلا :

                 عدمنا  خيلنا  إن  لم تروها     تثير  النقع   موعدها   كداء
                 يبارين   الأسنة  مصعدات     على  أكتافها الأسل   الظماء
                 وقال الله : قد  سيرت جندا      هم الأنصار عرضتها اللقاء
                 لنا في كل   يوم  من  معد      قتال،  أو سباب،   أو هجاء
                 فنحكم في القوافي من هجانا     ونضرب حين تختلط  الدماء
                 ألا  أبلغ  أبا  سفيان   عني     مغلغلة   فقد   برح   الخفاء
                 أن   سيوفنا   تركت  عبدا      وعبد  الدار  سادتها  الإماء
                 هجوت محمدا فأجبت  عنه      وعند  الله في  ذاك  الجزاء
                 لساني صارم لا عيب  فيه      وبحري  لا  تكدره   الدلاء
                                                                      
   وفي مبحث الخيل، يشير حسان بن ثابت إلى أن خيل المسلمين تصبح عدما إذا لم تكن مصدر لغبار حرب ضد أعداء الإسلام والمسلمين لما تمتاز به من قوة، وهي تحمل فوقها فرسان المسلمين المنتصرين لدين الله، ونبيه محمد (ص)، على قوى الشرك، والظلم، والطغيان والعبودية وفي مقدمتها سادة قريش وفرسانها المتعصبين.

   وأما من حيث الكتابة فإن قصيدة حسان جرت نهج الشعر العربي الجاهلي من ذكر للأطلال، والغزل والخمر، انتهاء إلى فتح مكة، منوها بشجاعة المسلمين، والرد على أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عم النبي وأخيه في الرضاعة، وليس أبي سفيان بن حرب الذي أسلم في فتح مكة. وفي قول حسان : تثير النقع (الغبار) كناية عن سرعة انطلاق الخيل عند الفرسان المسلمين، وذلك من خلال الموازاة : عدمنا خيلنا = لا عاشت خيلنا إن لم تروها تثير غبار الحرب ضدكم، وموعدها كداء = بمدخل مكة، أي بالمعلى = أي النصر على قريش وفتح مكة. وهذا يذكرنا برأي رومان جاكبسون (Roman Jakobson) عن مجاز الخيل في الشعر الشعبي الروسي، حين ميز ازدواجية المعنى قائلا : "’الباز الأبيض‘ و’الخيل الأنوف" من هذه التغيرات هما في علاقة مجازية مع ’الرفيق الشجاع‘ [خيل / نا (المسلون)، والنقع/ الحرب (قريش)، وكداء/  نصر (فتح مكة)]. وهي الازدواجية التقليدية (...) النافية – برفض الحالة المجازية لفائدة الحالة الواقعية." – "Essais de linguistique générale"، Ed. De Minuit، 1963، ص.237. ويليه :

    + كعب ابن زهير (؟ – 662م) : حيث يقول في أبيات من قصيدته التي مدح بها الرسول محمد (ص) بعد هجائه له وهدر النبي (ص) لدمه، وذلك نتيجة خروجه مع أخيه بجير إلى رسول الله (ص)، وتأخره عن أخيه الذي تقدم، وأسلم لدى سماعه كلام النبي محمد (ص). فغضب كعب لإسلامه ونهاه، وهجاه وهجا رسول الله (ص). وارتجف الناس بقتله. ونصحه أخوه بالإسلام والتوبة والمثول بين يدي الرسول وطلب عفوه. فتوسل بأبي بكر للرسول، ودخل الإسلام، ومدحه. فعفا عنه وأمنه، وخلع عليه بردته، التي بقيت في أهله إلى أن اشتراها منهم معاوية بأربعين ألف درهم، وتوارثها الخلفاء الأميون، والعباسيون، إلى أن غاية الخلفاء العثمانيين - "تاريخ الأدب العربي"، المصدر السابق، ص.146-147. ومن مدحه له بعد توبته :

         أمست سعاد  بأرض  لا  يبلغها        إلا  العتاق   النجيبات الماسيل
         أنبئت أن رسول الله  أو  عدني         والوعد عند رسول الله  مأمول
         مهلا هداك الذي  أعطاك  نافلة         القرآن فيها  مواعيظ  وتفصيل
         إن الرسول لسيف  يسضاء  به         مهند  من  سيوف الله  مسلول
         في عصبة من قريش قال قائلهم         ببطن مكة لما أسلموا : زولوا
         زالوا  فما  أنكاس  ولا   كشف         عند اللقاء، ولا  ميل  معازيل

      ويبرز مبحث الخيل والكتابة في شعر كعب بن زهير الذي يمدح به النبي محمد (ص) في وصفه للمهاجرين من خلال قدرتهم على ركوب الخيل، والإبل بفروسية حربية فائقة، وقوة التحام لنصرة الإسلام ونبيه الرسول محمد (ص) وجعله منهم عُصْبة من قريش، يتقدمها عمر بن الخطاب، لا ضعيف فيهم في اللقاء، أو أعزل غير حامل أو تارك للسلاح، أو مطية من خيل وإبل. وهو ما لمح إليه في رحيله إلى الرسول من عتاق (نوق كريمة)/ والناجيبات المراسيل (أي الخيل الكريمة السريعة).

    ومن حيث الكتابة، حول الخيل في قصيدة مدح الرسول (ص)، يعتمد كعب بن زهير الوصف، بذكر الرسول (ص)، والقرآن الكريم رابطا إياهما بمعاناته بعد المسافة التي كادت لا تسعفه للوصول إليهما، قصد طلب العفو النبوي، لا خيل ولا إبل قوية وسريعة. وقد اتخذ مجاز البكاء على الأطلال، وعجز الخيل والإبل عن السرعة لحمله لبلوغ مقام المدح والاعتذار من هجائه للنبي (ص) كاستعارة. وأوجز ذلك في إظهار فروسية المسلمين المسلحين في الحرب عند ركوب المطايا من خيل وإبل لاقتحام ساحة الوغى منتصرين. وهذا المجاز الطبيعي، هو ما عبر عنه ج. جونيت (Gérard Genette)، مبينا : "يكون المجاز أفضل ، وأكثر طبيعية إذن، في هذا الصدد، ذلك الذي تكون فيه علاقة المماثلة مضاعفة وميسرة بواسطة علاقة تجاور : وسيكون ما يدعوه جاكبسون اليوم بمجاز ’ذي لون استعاري‘." - "Figures, "Essais، المصدر ، ص.149.
  
  ب - الشعر العربي والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط في عصر النبوة (في ق7م):


   وعن السلاح والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط، في عصر النبوة (في ق7م) : في عصر النبوة (ق7م)، يمكن القول مع ج. تينيانوف J.) (Tynianov ور. جاكبسون (Roman Jakobson) : "لا تعطي القصيدة المطبوعة في كتاب، هي أيضا، سوى آثار الحركة. والخطاب الشعري هو فقط وليست نتيجته الكتابية الذي يمكن تقديمه كإيقاع (...). والحركة الإيقاعية سابقة عن البيت الشعري." – "Théorie de la littérature"، Ed. Du Seuil، 1965، ص. 144. وهذا ما يمكن ملاحظته في مبحث السلاح والكتابة عند شعراء عصر النبوة، أمثال :

   + حسان بن ثابت (؟ – 674م) : حيث يقول في أبيات من قصيدته في مدح الرسول محمد (ص)، يوم فتح مكة من خلال الأبيات التالية من نفس النص :
      
         إن الرسول لسيف  يسضاء  به       مهند  من  سيوف  الله   مسلول
         في عصبة من قريش قال قائلهم       ببطن مكة لما  أسلموا :  زولوا
         زالوا  فما  أنكاس  ولا   كشف         عند اللقاء، ولا  ميل  معازيل

   وهي في الأصل أبيات أنشدها ضمن قصيدة قالها شفاهة، قبل أن تصبح نصا مكتوبا، ومطبوعا كما وصل إلينا اليوم. ومن معالم الكتابة والسلاح في هذه القصيدة  بالتقابل : الرسول/ يستضاء به، والرسول/ سيف مهند من سيوف الله مسلول كسلاح مادي (سيف مهند، وأنصار)، ومعنوي (وقدرة ونور الله، والإسلام) . ويتجلى هذا السلاح ميدانيا وتاريخيا من خلال : عصبة من قريش/ عمر بن الخطاب والمهاجرون، أسلموا ببطن مكة/ تسلحوا بالسيوف، وهاجروا ليعودوا لفتحها بالسلاح كقوة مادية ومعنوية غالبة. إذ يستدرك ج. جونيت Gérard) (Genette  علاقة الشعر باللغة المكتوبة، والشفوية، والكتابة ، قائلا : "ولكن من المؤكد أيضا أن هذا الانتشار [للمطبوع] وانتشار ممارسة القراءة والكتابة أوجب مع طول الوقت إضعاف الطريقة السمعية لتلقي النصوص لفائدة الطريقة المرئية [الشفوية المسموعة]، وبالتالي فإن إضعاف طريقة وجودهم الصوتي لفائدة الطريقة الكتابية (...)، وبالخصوص، وبهذه المناسبة، أوضحت خصائص أخرى للغة الشعرية، والتي يمكن نعتها بالشكلية (...)، بمعنى أنها لا تتعلق بطريقة الإنجاز، ’المادة‘ (الصوتية أو الكتابية) للدال والمدلول، ولكن بالتمفصل ذاته للدال والمدلول، باعتبارهما على مستوى مثاليتهما." - "Figures, Essais"، المصدر، ص.124-125.

     3- الشعر العربي والخيل والسلاح والكتابة  : من الخليج إلى المحيط في عصر النبوة (في ق7م):

  
   عندما قتل علي بن أبي طالب (ك)، انتهت بقتله دولة الخلفاء الراشدين، وتولى بعده معاوية بن أبي سفيان الخلافة، وكان سياسيا ماهرا، فاجتمعت عليه كلمة الأمة، ولاسيما بعد وفاة الحسن بن علي (ر)، ولم يعد هناك من ينازعه الأمر. فجعل الملك وراثيا، وجعل ابنه يزيدا وليا لعهده، وسكت المسلمون احتراما له، أو خوفا منه، أو تأثرا بدهائه. فلما ولي يزيد ثارت النفوس، وشبت الثورات التي قتل فيها الحسين بن علي (ر)، وبدأ عهد الدماء للعلويين والشقاء للأمويين. وظهرت الأحزاب، منها حزب العلويين، وحزب الزبيريين مع عبد الله بن الزبير، وأحزاب الحكومة الأموية، وأحزاب الخوارج، لا يرضيهم من هؤلاء أحد. واستمر التناحر إلى أن سقطت الدولة الأموية سنة 754م، على يد العباسيين، أبناء عم العلويين، الذين انفردوا بالحكم دونهم.

    وخلال العصر الأموي، ظهر لكل هؤلاء شعراء، فابن قيس الرقيات شاعر للزبيريين، والكميت شاعر للعلويين الهاشميين، وجرير، والأخطل، ومسكن الدارمي للأمويين. فكان لكل حزب سياسي أو طائفة شعراء ينظمون الشعر في تأييد جهتهم، كما صار مربد بالبصرة، ومسد الكوفة مقام عكاظ في اجتماع الشعراء، ومن ثم قويت شوكة الشعر السياسي، في ذكر الخيل، والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط. ومن مباحث  ذلك ما يلي :

   أ- الشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط في عصر في العصر الأموي في ق7م :

    لمعاينة مبحث الشعر العربي والخيل والكتابة : من الخليج إلى المحيط في عصر النبوة (في ق7م): عند شعراء العصر الأموي، ورواد الشعر السياسي، في ق7م، يمكن أن نبين مع موريس بلانشو(Maurice Blanchot)  في هذا الصدد : "قد كان الفن [الشعر] أيضا في خدمة السياسة، لكن السياسة لم تكن بعد آنذاك في خدمة العمل، والعمل لم يكن قد أدرك بعد الوعي بذاته كمتطلب كوني (..). ووسط هذا الإعصار، سيتمم الشاعر، برفض ذاته، معنى رسالته، ثم يلتحق بحزب أولائك الذين، انتزعوا عن الألم قناع مشروعيته، ويؤمِّنون العودة الأبدية لحامل الأعباء العنيد، ممرر العدالة [أي الشاعر]." - "L'espace littéraire"،  المصدر، ص.285. ومن شعراء السياسيين الممثلين لمبحث الخيل والكتابة من الخليج إلى المحيط، في العصر الأموي، نذكر على الخصوص، ما يلي :

     + الطرماح بن حكيم الطائي  (؟ – 674م) : إذ يقول في أبيات من قصيدة يعتد فيها بنفسه، وبطموحاته وراء التكسب بشعره، كجندي يريد أن يموت شهيدا على صهوة خيله في خدمة دولة بني أمية، وفي هذا يقول مثلا :

     وإني   لمقتاد   جوادي     وقاذف     به وبنفسي   العام    شتى  المقادف
     فيا رب إن حانت وفاتي فلا   تكن     على    شرجع    عدات    الخلائف    
     وأمسي شهيدا ثاويا   في   عصابة     يصابون في فج من الأرض  خائف
     فوارس من  شيبان   ألف    بينهم     تقى   الله   نزالون   عند   التراجف
     إذا فارقوا  الدنيا   فارقوا   الأذى     وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف

  ويظهر مبحث الخيل جليا في قوله عن حرصه على الركوب والاندفاع الدائم نحو مخاطر الحروب والاستشهاد، في سبيل المال أو الله، خدمة لمن يؤجرونه من خلفاء، وحكام بني أمية، متمنيا أن لا يموت فوق فراشه كسائر الناس. ويتميز تصوره في تسخير خيله في سبيل المغامرة السياسية، والحربية المربحة، بالمزج والتعارض، بين الهدف المادي والروحي، والشرعي والإجرامي، والشعبي والأرستقراطي، والبطولي والاعتيادي. وتؤكد سكريد هونك (Sigrid Hunke) على تعلق الشعر العربي تاريخيا بالخيل في وقولها : "كثيرة هي الأشعار التي يذكر فيها العرب بطرق جد مختلفة حيواناتهم المفضلة، مثل (...) الخيل..." – Le" "soleil d'Allah Brille sur  l'Occident، Ed. Albin Michel، ص.353.

   وفيما يهم مبحث الكتابة عند الطرماح كغيره من شعراء العربية هنا يلاحظ التضمين كتقنية لتصوير خيله المنقاد طوع إرادته للمهالك باعتزاز وطمع في جني الربح، والاستشهاد في سبيل الله كمجاهد مع إخفاء البعد السياسي لشعره، وفروسيته الارتزاقية لدى الأمويين، وذلك من خلال ازدواجية تتمثل في استحضارات على غرار : خيل الطرماح/ خيل عنترة، وخيل الطرماح/ خيل حمزة (ر)، وفروسية الطرماح/ وفروسية السموأل بن عاديا، وخيل الطرماح/ وخيل فوارس بني شيبان، وذلك بين الإضمار المعنوي والإظهار اللفظي الصريح في نصه الشعري عامة. ويعرف ذلك د. محمد أحمد العزب قائلا : "والتضمين – كلغة شعرية – له في الفكر العربي الناقد مكانة مرعية، لأنه يضيف إلى الخبرة الفنية للشاعر خبرة شاعر آخر أو مجموعة من الشعراء الآخرين كما أنه يخصب النص بإدخاله على الفور عالم النص المضمن (...)، فبينما هو يثري عالم العمل الشعري الآني بنقله روائع التراث ضمن سياقه الفني، إذا هو يسحب إلى الضوء وحس المعاصرة هذا النموذج التراثي الذي ضمنه عمله الآني، فأبقى فيه على حس الحضور واسمرارية البقاء." - "طبيعة الشعر وتخطيط النظرية في الشعر العربي"، المصدر، ص.126.

     + الأخطل  (640 – 710م) : وهو الذي يقول في مقطع قصيدته في الشعر السياسي لدى هجائه الأنصار، لما كان الخلاف ما يزال قائما بين الأمويين وخصومهم، ومنهم الأنصار، إذ شبب عبد الرحمن بن حسان الأنصري ’رملة‘ ابنة معاوية، فثارت ثائرة أخيها يزيد، وطلب من الشاعر كعب بن عجيل – وهو تغلبي مسلم – الرد على عبد الرحمن، وكيد الأنصار، فاعتذر فأحاله على الأخطل ’غياث بن غوث‘ – وهو تغلبي نصراني الأصل-، الذي أصبح شاعر بني أمية ضد هجمات الأحزاب. وفي هذا يقول في مبحث الخيل والكتابة، في مدح عبد الملك بن مروان :

   شمس    العداوة   حتى  يستقاد     لهم    وأعظم  الناس  أحلاما  إذا   قدروا
   بني   أمية   قد    ناضلت       دونكم    أبناء قوم، هم  آووا  وهم   نصروا
   أفحمت عنكم بني  النجار،   قد   علمت    عليا معد،  وكانوا   طالما   هدروا
   حتى استكانوا، وهم مني على   مضض    والقول   ينفذ    ما    تنفذ    الإبر
   وقيس   عيلان   حتى   أقبلوا    رقصا    فبايعوك   جهارا   بعدما    كفروا
   ضجوا من الحرب إذ عضت   غواربهم    وقيس عيلان  من أخلاقها  الضجر

  ويتجلى مبحث الخيل عند الأخطل هنا من خلال صورة عبارة ’شمس العداوة‘ كتلميح استعاري ودليل على عنف خيل خلفاء، وجنود بني أمية في حلبة القتال، مشبها انطلاقها الجارف كالخيل النافر، للدلالة على شدة عداوتهم لمن عاندهم من الأحزاب المعارضة لحكمهم، كالأنصار، وقريش.
    ومن حيث الكتابة الشعرية الملتزمة سياسيا عند الأخطل، نجد أنها تنحصر في القول المنطوق اللاذع، والنافذ الجارح إلى القلوب، ومن معالمها في النص  كان متداولا شفاهة قبل، تدوينه كتابة لاحقا، قوله في تعارض بين عبارات : قد ناضلت دونكم/ أبناء قوم هم آووا وهم نصروا، وأقحمت عنكم بني النجار/ وكانوا طالما هدروا، وقيس عيلان بايعوك/ بعدما كفروا، والقول ينفذ/ ما لا تنفذ الإبر. وهو يستخدم في ذلك استعارات من الواقع الحسي، والأحداث الجارية، والصفات المعنوية المستحسنة، والمشينة. ويقول د. محمد أحمد العزب أخذا عن العتابي : "’الاستعارة أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وليس في حلى الشعر أعجب منها، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت موضعها‘." - "طبيعة الشعر وتخطيط النظرية في الشعر العربي"، المصدر، ص.111.

      ب- الشعر العربي والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط عند في العصر الأموي )في ق7م( :
  
     وفي الشعر العربي والسلاح والكتابة من الخليج إلى المحيط عند في العصر الأموي )في ق7م(، نقرأ بقلم م. هامير – بورغستال (M. Hammer - Purgstall) حول سيف علي [بن أبي طالب] [ر] ’ذو الفقار‘ ما يلي : "وتلح كلمة غالب [عند شعراء بروفانس : جنوب فرنسا] هنا، كأحد أسماء علي [ر]، ولانتقال إلى كلمة فتى (feta) الذي نعت به النبي [ص] بامتياز زوج ابنته [ر] في غزوة أحد. وهذه الكلمة تترجم عموما بغالب (vainqueur)، بينما قد كان من اللازم ترجمتها بفارس (chevalier). وتعليق الديوان (du divan) المذكور أعلاه يخبرنا أن النبي [ص] كان قد سمع من جبريل، وهو يصعد إلى السماء بعد غزوة أحد، العبارات التالية : ’ليس هناك سيف إلا ذو الفقار [Zoul-Fakar] (اسم سيف علي) ، ولا بطل (فارس) ’إلا علي‘. وهذه المقولة التي توجد منقوشة على كثير من سيوف دمشق، تمت ترجمتها، حتى اليوم : ’ليس هناك سيف إلا ذو الفقار، ولا بطل إلا علي‘." –La" "chevalerie des Arabes est antérieure à celle d'Europe، المصدر، ص.1. ومن ذلك في شعر العربي في العصر الأموي ما يلي:

     + الطرماح بن حكيم الطائي  (؟ – 674م) :  وهو يقول في نفس القصيدة التي يعتد فيها بنفسه ويفصح عن أمانيه وهو في خدمة دولة الأمويين بلسانه وسيفه كجندي :

    فيا رب إن حانت وفاتي  فلا   تكن     على    شرجع    عدات     الخلائف   
    وأمسي شهيدا ثاويا    في  عصابة     يصابون في فج من الأرض    خائف
    إذا  فارقوا   الدنيا   فارقوا   الأذى     وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف

ويبرز مبحث السلاح عند الطرماح هنا من خلال التضمين بالإحالة على شعر السموأل بن عادياء اليهودي، وذلك من خلال : إن حانت وفاتي فلا تكن على  شرجع = تسيل على حد الظبات [حد السيوف] نفوسنا.../ وما مات منا سيد حتف أنفه [مات ميتة طبيعية، على فراشه]، وإحالته على طرفة بن العبد : وأمسي شهيدا في عصابة يصابون [بالسلاح] في فج من أرض خائف = ولست بحلال التلاع مخافة [هجوم بالسلاح]، ولكن متى يرفد القوم أرفد.

   وترصد معالم الكتابة في شعر الطرماح السياسي من قوله شفاهة : وأمسي شهيدا (أي مخلدا في تاريخ الإسلام المنطوق والمكتوب)، ميعاد ما في المصاحف (الموت المذكور في نسخ كتاب القرآن الكريم)، وهي رغبة في محاكاة حياته وشعره، وفروسيته لخدمة خلفاء بني أمية تقربا إلى تعاليم الكتابة المقدسة، ومصاحف القرآن الكريم.

  4- الشعر العربي والخيل والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط في العصر العباسي (في ق8 - 13م) :
    
     وتتجسد مباحث الشعر العربي حول الخيل والسلاح والكتابة عند شعراء العرب : من الخليج إلى المحيط في العصر العباسي (في ق8 - 13م)، من خلال، حسب أحمد حسن الزيات، ما بلغه المسلمون من عمران وسلطان. فازدهرت الآداب العربية. وكان ملوك هذه الدولة ينتمون إلى العباس عم النبي محمد (ص)، انتزعوا الخلافة من الأمويين بمعونة الفرس، وأقاموا عرشها على العراق، وبلغ عددهم37 خليفة، خلال 5 قرون ونيف، حتى أنهى دولتهم هلاكو، سنة 1278م، وسقطت حضارتهم بسقوطها. وقد أثر هذا الانتقال الاجتماعى في خواطر الشعراء، فتفرغوا لصوغ ضروبه المختلفة. ولما انفرط عقد الخلافة، وتعددت حواضر الدولة، باستقلال الولاة في فارس، والشام، ومصر، والمغرب، أثر ذلك التشعب السياسي في نهضة الشعر، وازداد ابتكار الشعر ابتكارا وكثرة. وأثر ذلك في نهضة الشعر، إذ كان الخلفاء العباسيون، ومن تلاهم، يقربون الشعراء إليهم، فظهر شعر بشار بن برد، وابن الرومي، وأبي تمام، والمتنبي... ثم أدرك الهرم والتمويه شعر المتأخرين، بعد ذلك - "تاريخ الأدب العربي"، المصدر السابق، ص.210، 254. وحول الشعر العربي  والخيل والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط، في العصر العباسي، نذكر ما يلي :

     أ- الشعر العربي والخيل والكتابة  في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط في العصر العباسي (في ق8 - 13م) :

     ولترصد مبحث الشعر العربي والخيل والكتابة عند شعراء العصر العباسي في ق8 - 13م، لابد من ذكر تطوره مع دولة بني العباس، وما بعدها إلى عصر النهضة [ق19م]. "وما زال الشعر على حاله، يقول أحمد حسن الزيات، حتى (...) القرن الخامس للهجرة [ق12م]، فذهب جمال الشعر العري من الشرق، وفقد تأثيره في النفوس، لذهاب المعضدين له من بني بويه، وقلة الراغبين فيه من آل سلجوق. واستشعار النفوس لذل الغلبة والقهر بتوالي الفتن والمحن، فانصرفت الخواطر إلى التصوف والأدعية." – المصدر السالف، ص.253. ومن شعراء هذا العصر، نذكر :

     + أبو تمام حبيب بن أوس الطائي (798 – 891م) : وهو القائل في فتح ’عمورية‘، يمدح المعتصم بالله ثامن الخلفاء العباسيين، لدى انتصاره على الروم، مكذبا المنجمين وكتبهم، ومؤيدا لقوة السيف وفرسانه، وذلك استجابة لصوت امرأة مسلمة سباها الروم فصرخت مستنجدة : ’وا معتصماه!‘ :  

    السيف  أصدق   أنباء  من    الكتب     في  حده  الحد  بين  الجد   واللعب
    بيض الصفائح لا سود الصحائف في     متونهن  جلاء     الشك   والريب
    والعلم  في  شهب   الأرماح   لامعة     بين الخميسين، لا في السبعة الشهب
    سبعون ألف  كآساد  الترى  نضجت     جلودهم   قبل نضج   التين  والعنب
    فتح   الفتوح   تعالى  أن  يحيط  به      نظم من الشعر  أو نثر  من الخطب

  وفي مبحث الخيل نجد أبا تمام يذكرها من خلال كنايات خفية، واستعارات بديلة مثل : الخميسين = الجيش من الخيل والفرسان،  والمشاة،  سبعون ألف = من الخيل والفرسان، نضجت جلودهم = قبل نضج التين والعنب. وهي عنوان تحد حاسم بين البطولة والخرافة، بين تنبؤات المنجمين في كتبهم  وعمل الجندية، بقيادة الخليفة المعتصم في إحراز النصر في الميدان بفتح عمورية، وافتكاك أسر المرأة المسلمة المستنجدة من أسرها، قبل نضج التين والعنب، كما كان يدعي المنجمون.

    ومن حيث الكتابة، فقد قابل الشاعر أبو تمام بين الواقع والكتابة، فأعلن إعجاز الواقع لوقعة فتح عمورية بقيادة المعتصم وجيشه الذي سفه أحلام المنجمين بنصره على روم عمورية معلنا : فتح تعالى أن يحيط به/ نظم من شعر أو نثر (الكتابة) من الخطب، علما بأن القصيدة تلقى شفاهة قبل تدوينها كتابة على عادة القدماء. وفي هذا المنحى، يشير د. محمد أحمد العزب مبينا : "الفن أكثر إيغالا في الحرية من الطبيعة، فليست الكلمة، وليست الجملة، وليست السياقات في الشعر محدودة بحدود الوضعية القاموسية، ولكنها متمردة أساسا على كل الحدود والقيود." - "طبيعة الشعر وتخطيط النظرية في الشعر العربي"، المصدر، ص.87.

   + الأمير تميم ابن المعتز لدين الله الفاطمي (ق4هـ – ق11م) : إذ نجده يقول في وصف واد النيل، مبرزا صورا ذات طابع فروسي وشعري بارع :
    
       انظر إلى النيل قد عبأ   عساكره      من المياه فجاءت  وهي تستبق
       كأن   خلجانه   والماء   يأخذها      مدائن فتحت فاختارها  الغرق
       كأن  تياره  ملك    رأى   ظفرا     فكر إثر الأعادي محنق   نزق
       كأن   ماء    سواقيه    لناظرها     شهب الخيول إذا ما حثها العنق
       فاشرب مغنى  فإن اللهو منبسط     واطرب  منها فهذا  منظر أنق

   ويظهر من مبحث الخيل هنا عند الأمير تميم بن المعتز الفاطمي أنه حول مياه النيل إلى ميدان حرب يخوضها أمير منتصر على خيله يتعقب فلول أعدائه الفارين منها بعد الهزيمة. ويبرز مجاز الخيل ولواحقه من خلال ذكر سلسلة من الثنائيات مثل: النيل/ عبأ عساكره (فرسانه، وخيوله)، كأن تياره ملك رأى ظفرا/ فكر إثر الأعادي (على خيله)، كأن سواقيه لناظرها/ شهب الخيول (لمعان سيوف الفوارس). وهي تشبيهات متسلسلة موحية وطريفة على العموم، تحيل على انشغالات قائلها كأمير لدولة الفاطميين بمصر آنذاك. 

    ومن حيث مبحث الكتابة فإن الأمير تميم الشاعر يجسد صورة النصر للنيل/ الأمير فوق خيله جاريا وراء الأعداء الفارين فاتحا المدائن بالاحتفال بنصره المبين مع جنوده وحاشيته، من خلال : فاشرب مغنى/ شعر منطوق مغنى ومكتوب، واطرب/ بقصائد الفخر والمدح (ملاحم للتاريخ تلقى احتفاء، وتكتب لتخلد). "الكتابة المشاهدة انطلاقا من الكلام، يقول فيليب سوليرس Philippe) (Sollers، كانت محجمة، مبعدة مثل ’شر‘، يكنه لتعلن عن نفسها كتاريخ في حد ذاته : ’تتابع العصور‘، و’كتاب المستقبل‘، و’النشر المداوم‘، و’الخيط غير القابل لتدمير الشعيرة اللاشخصية‘." – "L'écriture et l'expérience des limites"، Ed. Du Seuil، 1968، ص.148.      

   ب- الشعر العربي والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط في العصر العباسي في ق8 - 13م :

   ونقرأ في موقع ’كوسموفييزيون‘(Cosmovisions)، عن الشعر العربي قبل الإسلام في ما يخص مبحث السلاح والكتابة تسجيله : "والشعر قبل محمد [ص] كانت له جودة كبيرة في الأسلوب؛ وكان بسيطا، مثيرا، وأحيانا جزيلا؛ لكن الإلهام لا يخرج فيه عن إطار الصحراء، والحياة الأبوية والحربية : والخيل، والإبل، والرمح، والسيف هي أشياء موضوعات وصف الشعراء؛ والضيافة، والوفاء، والثأر، والحب، والمجد هي المشاعر التي يجيدون التعبير عنها." – La" "littérature، www.cosmovisions.com ، ص.1. ومما نجده من معالم السلاح والكتابة عند أبي تمام والأمير تميم بن المعتز لدين الله الفاطمي ما يلي :

    + أبو تمام حبيب بن أوس الطائي (798 – 891م) : حيث يقول في مبحث السلاح والكتابة في قصدته حول فتح عمورية، ومدح المعتصم بالله العباسي، في حربه مع الروم وفي نفس النص:

    السيف  أصدق   أنباء  من    الكتب     في  حده  الحد  بين  الجد   واللعب
    بيض الصفائح لا سود الصحائف في     متونهن  جلاء     الشك   والريب
    والعلم  في  شهب   الأرماح   لامعة     بين الخميسين، لا في السبعة الشهب
    سبعون ألف  كآساد  الترى  نضجت     جلودهم  قبل نضج   التين  والعنب
    فتح   الفتوح   تعالى  أن   يحيط  به    نظم من الشعر أو نثر  من  الخطب

   ويتجسد مبحث السلاح صراحة عند أبي تمام من خلال تعارض جدلي في ثنائية السيف/ الكتب، رجال السيف/ رجال القلم = غلبة السيف على القلم. ويرصد ذلك عبر : السيف أصدق أنباء/ الكتب أقل صدقا، وحد السيف جد/ حد الكتب لعب، وبيض الصفائح (السيوف) صدق ويقين/ وسود الصحائف شك وريب (تنجيم، ودجل) = نصر/ انهزام.

   ويتشكل مجاز الكتابة في جعل أبي تمام واقعة نصر المعتصم في فتح عمورية واقعا يصعب على الشعر والنثر (قولا/ وكتابة) التعبير عنه. وبعبارة أخرى، فمبالغة التعظيم في الوصف، جعلته يقول بأن الواقع أصبح أغرب من الخيال (الكتابة)، ويفوق قدرة الكلمات عن التعبير عنه، كواقع معجز للشاعر والخطيب (ككتاب، أو متكلم بليغ)، بقوله : فتح تعالى أن يحيط به نظم من الشعر/ أو نثر من الخطب، من حيث تفوق الفروسية، نظرا لهول عدتها وآثارها المادية والبشرية : سبعون ألف كآساد الثرى (جنود)  نضجت جلودهم (بأمر المعتصم)/ قبل نضج التين والعنب (تنبؤ المنجمين). وكباروديا لاختفاء هذه الفروسية الملحمية الحربية من كتابة الكتاب، أبدع سيرفانتس الإسباني لاحقا ملحملة دون كيخوطي (1613م)، من واقع الحياة في عصره، إما حنينا إليها، أو سخرية من معاصريه الذين ما زالوا متشبثين بها عبثا.

   وجوج لوكاش يصف امتداد وأفول الظاهر في أوروبا لما بعد العصر الوسيط، قائلا : "قد يكون دون كيخوطي غير قابل للتصور خارج انتسابه للفروسية، كما أن تصور عشقه لا يمكن، خارج الإعجاب التقليدي بالشعراء الشعبيين كطراب الدور (les troubadours)." – "La théorie du roman"، Ed. Gonthier ، 1963، ص.110.

    + الأمير تميم ابن المعتز لدين الله الفاطمي: وهو يقول في القصيدة نفسها يصف فيها واد النيل، مبرزا صورا ذات طابع فروسي يجمع بين مبحث السلاح والكتابة:

       انظر إلى النيل قد عبأ  عساكره     من المياه فجاءت  وهي  تستبق
       كأن  تياره  ملك  رأى   ظفرا      فكر إثر الأعادي محنق   نزق
       كأن   ماء   سواقيه    لناظرها     شهب الخيول إذا ما حثها العنق
       فاشرب مغنى فإن اللهو منبسط     واطرب  منها فهذا  منظر أنق

   والسلاح هنا مجموع كنايات، ومجازات تدرك من اللفظ والسياق أكثر من صريح اللفظ المشبه والمشبه بهما، بل وأكثر منهما من خلال توابعه، مثل : النيل عبأ عساكره = حركها مجهزة بالعدد والعدة من السلاح، وشبه بالخيول = بريق السيوف والرماح في يد الفرسان الممتطية لصهواتها. فكما يقول موريس بلانشو (Maurice Blanchot) في هذا الاتجاه : "وهكذا، ينجز الشاعر عملا لغويا خالصا  واللغة في هذا العمل هي عودة لماهيتها. فهو يخلق شيئا لغويا، مثلما لا يعيد الرسام إنتاج ما هو كائن بالألوان، ولكن يبحث عن النقطة حيث تعطي للكيان ألوانه." - "L'espace littéraire"،  المصدر، ص.38-39.

   و الكتابة عند الأمير تميم تشخص تعبر بمجاز مرسل عن مياه النيل، والكنايات والتوابع الشعرية بصورة تجمع في ثنائية غناء/ وطرب، فتشخص الاحتفاء  بنصر النيل/ الأمير = الماء المحارب، والفاتح للمدائن، وأفراح فوزه، من خلال قوله : اشرب مغنى = اشرب على إيقع شعر غنائي، واطرب = تغنى بموسيقى وشعر = شعر (إلقاء شفوي، وكتابة). وفي هذا الإطار، يقول جورج  هيناين Georges) (Henein : "مثل الساحر الذي تصلح مقولاته التعزيمية لإثارة أشباح مقصودة، ينعت الشاعر الكائنات [بالقول والكتابة]، والأشياء التي ينادي عليها في آن واحد من وجوده، وتمرده على الأرض [النيل/ الأمير]، ويناديها بشكل خاص، بتوهج يذهب من الرقة إلى الهيجان [الشعر/ والسلاح] والذي يشكل مغالاة الشعر." – L'esprit" "frappeur : Carnets 1940/ 1973، Ed. Encre، 1980، ص.25. 

   5- والخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي: من الخليج إلى المحيط في عصر النهضة والعصر الحديث (في ق19 - 21م) :
  
    لتمثل الشعر العربي والخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط في العصر النهضة والعصر الحديث (في ق19 - 20م)، يلزم استحضار مجاله التاريخي - الجغرافي، في أواخر ق18م، حيث يسجل أحمد حسن الزيات في ذلك قائلا : "ما زال الزمان ينقص من أطراف الرقعة العربية حتى قصرها في أواخر القرن الثامن عشر على العراق العربي، والشام، وبلاد العرب، ومصر، والسودان [من الخليج]، والمغرب [إلى المحيط]: وفي تلك البلاد بقي النفس الأخير من أنفاس اللغة العربية (...).   كانت مصر في ذلك العهد تحت سلطان العثمانيين حكما، وتحت سيطرة المماليك فعلا، وكانت القوة المتضاربة (...) تنخر في هيكل هذه الأمة البائسة (...) فتفشت الأمية (...) وغزاهم على هذه الحال الأليمة نابليون [سنة 1798] (...). ولكن محمد علي على رأس الأسرة الخديوية لم يدهش، بل علم أن ما في الغرب من حضارة عمارة إنما أساسه العلم (...). فأخذ في تعليم المصريين (...). وأخذت هذه النهضة المباركة تنمو (...). وكان البارودي أول من أقام عمود الشعر وجدد دارس القريض، فترسم خطى الفحول من شعراء العباسيين (...)، ثم نزع الشعراء إلى الاستقلال والحرية والتجديد بتأثير الحضارة الأوربية، وتعلم اللغات الأجنبية، ونشاط الحركة العلمية." - "تاريخ الأدب العربي"، المصدر السابق، ص.415-416، 490. ومن ذلك، نجد في مبحث الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي في عصر النهضة : من الخليج إلى المحيط، ما يلي :
                                       
   أ- الخيل والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط في عصر النهضة (في ق19م) :
  
    وفيما يخص الشعر العربي والخيل والكتابة في الشعر العربي في عصر النهضة (في ق19م)، يلاحظ الزيات أن مصر سبقت في نهضتها الحديثة البلدان العربية الأخرى، إذ أتيحت لها الفرصة بعد إخفاق حملة نابليون على مصر أن  تتخلص من حكم الأتراك الفاسد [من الخليج]. بيد أن النهضة في عصر محمد علي كانت تتسم بالسمة العلمية لا الأدبية، وعلى الرغم من هذا فقد أفادت اللغة العربية كثيرا، وأخذت تتجدد، حتى الاحتلال الابريطاني (سنة 1889). وكان الشعر العربي يتهالك من الضعف والركاكة في أسلوبه. وتهيأت الظروف لبعث الشعر العربي بعثا قويا. وجاء السيد جمال الدين الأفغاني أخذ يبث تعاليمه في الطبقات المصرية. وفي تلك الفترة ظهر البارودي رائد الشعر العربي الحديث. فكانت النهضة الكبيرة في الشعر العربي على يد إسماعيل صبري، وشوقي، وحافظ، ومطران (من لبنان). وحول الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي في هذه الفترة :

    + محمود سامي البارودي (1838-1904م) : حيث يقول في قصيدته التي يصف فيها حرب تركيا على جزيرة كريت الثائرة عليها (سنة 1282هـ/ 1885م)، واستنجاد الخليفة العثماني بمصر التي أمدته بجيش على عهد الخديوي إسماعيل، كان البارودي بين فرسانه، وكان حنينه إلى مصر، موطنه الأصلي، حيث ينشد :

       أخذ      الكرى   بمعاقد    الأجفان     وهفا  السرى    بأعنة   الفرسان
       لا تستبين   العين    في     ظلماته          إلا   اشتعال     أسنة     المرّان
       تستن    عادية   ويصهل     أجرد      وتصيح أجراس  ويهتف   عاني
       والخيل    واقفة    على    أرسانها      لطرد   يوم    كريهة    ورهان
       وضعوا السلاح إلى الصباح وأقبلوا      يتكلمون      بألسن      النيران
       ذكرت مواردها  بمصر  وأين  من       ماء  بمصر  منازل   الرومان

  ويظهر مبحث الخيل والكتابة عند محمود سامي البارودي في قصيدة ’معركة كريت‘ جليا من خلال وصف حرب تركيا العثمانية على الجزيرة الثائرة عليها بمساعدة الجيش المصري، من خلال إبراز جهود الفرسان والخيول وعنائهم ليلا ونهارا، وذكر ذلك صراحة : الفرسان/ المرّان، أجرد/ الخيل. وهي عبارة عن تمثل فروسي واقعي للحرب الدائرة التي يشارك فيها الشاعر البارودي دون حماس، أو اندفاع كعادة الفرسان المجاهدين الأبطال مثل : عنترة/ المعتصم العباسي، أو أبي فراس الحمداني/ سيف الدولة.

   ومن حيث الكتابة في هذا المبحث، نجد البارودي يستعمل المجاز، والكناية والتوابع في تقابلات مثل : معاقد الأجفان (عيون الفرسان، والشاعر الجندي)/ أعنة الفرسان (لجام الخيل)، العين في ظلماته (الليل)/ اشتعال أسنة المران (لمعان رماح الفرسان)، وتستن عادية (تتحرك الخيل جريا)/ تستن عادية (الخيل والفرسان)، ويصهل أجرد/ وتصيح أجراس، ويصهل أجرد/ ويهتف عاني، والخيل واقفة على أرسانها (الفرسان)/ لطرد يوم كريهة ورهان (لملاحقة الفرسان للأعداء كرها، ورهان نصر). ويقول محمود إسماعيل عن كتابة رواد شعر النهضة العربية على الخصوص :

    "كانت عناية الرعيل النهضوي الأول منصرفة إلى إحياء القديم الذي تميز بالأبحاث اللغوية، بينما توفر الرعيل الثاني على تحويل علوم العصر، فأضاف إليها شيئا من معالم ’الجديد’ رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده‘. أما الرعيل الثالث، فقد جد في التخلص من القديم شكلا وموضوعيا، ومن هؤلاء ’شلبي الشميّل، وفرح أنطون، وأمين الريحاني، وجماعة الديوان، وجماعة أبولو، وبداية الرومانطقية مع خليل مطران." – "مفهوم الحداثة في الفكر العربي : الحداثة في عصر النهضة"، www.wahdaislamyia.org ، ص.3.

     + ناصف اليازجي  (1800-1871م) : حيث يقول في قصيدة مدح أسعد باشا، قائد جيش البلاد الغربية بلبنان، مجاراة  للمتنبي في مدائحه :

       بناة  العلى  بين  القنا  والبوارق      على صهوات  الخيل تحت البوارق
       أقام  السرايا  ينفر  المج   خيلها       بكل   لواء    فوق   لبنان  خافق
       تضيق بحار الشعر عنه وتستحي       ببحر لها  في  بحر كيفية  غارق 

      ويبدي ناصف اليازجي مبحث الخيل والكتابة في الشعر العربي باعتماد أسلوب الفخر والحماسة في مخاطبة ممدوحه القائد أسعد باشا مبرزا فروسيته صحبة جنوده من الفرسان المحاربين الأشداء فوق خيولهم، وخوضهم الفاصل في السرايا التي يقيمها فوق لبنان. وذلك من خلال ذكره في مقابلة ثنائية : بناة العلا (الفرسان)/ على صهوات الخيل (الفرسان)، أقام السرايا (أسعد باشا صاحب الغزوات)/  ينفر الموج خيلها (فرسانها). وفي هذا الصدد يقول (Gérard Genette) : "لكن من جهة أخرى، وكما يلاحظ جاكبسون (Jakobson)، الصورة الأدبية لعصر لا تصف حاضر الإبداع فقط، ولكن أيضا حاضر ثقافة، وإذن وجها ما للماضي، ’ليس فقط الإنتاج الأدبي لعصر بعينه، ولكن أيضا ذلك الجزء من التقليد الأبي الذي ظل حيا أو تم إحياؤه في العصر المذكور..." - "Figures, Essais"، المصدر، ص.168.

   وأما عن الكتابة في شعر إ. اليازجي، فنلاحظ في مدحه لجوؤه إلى المبالغة في جعل الشعر عاجزا عن التعبير عن فروسية ممدوحه، وجيشه، قائلا مجازا :  تضيق بحار الشعر = تعجز الكتابة والنظم، وتستحيي = يصيب الشاعر الخجل لعجزه عن الوفاء بقدر فروسية الممدوح وشجاعة جنوده، في بحر كيفية غارق = بحر الشعر/ كبحر حقيقي يغرق فيه الشاعر دون أسباب للنجاة عجزا. وموريس بلانشو  (Maurice Blanchot) يقول عن عجز الكلام الشعري أمام العالم : "الكلام الشعري لم يتعارض إذن فقط مع الكلام العادي، ولكن أيضا وبحق مع كلام الفكر (...). في الكلام الشعري يتم نتيجة هذا الأمر التعبير عن أن الكائنات تصمت (...). وفي هذلك الكلام، لسنا محالين على العالم، ولا على العالم كمأمن، ولا على العالم كأهداف (...).  والكلام الشعري لم يعد كلام شخص، ولكن يبدو أن الكلام وحده يكلم ذاته." - "L'espace littéraire"،  المصدر، ص.39.

     ب- السلاح والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط في عصر النهضة (في ق19م) :

     ويبرز مبحث والسلاح والكتابة في الشعر العربي من الخليج إلى المحيط في عصر النهضة (في ق19م)، عند البارودي واليازجي، في نفس النصين كالتالي :

     + محمود سامي البارودي (1838-1904م) : حيث يقول في قصيدته التي يصف فيها ’حرب كريت‘ الثائرة ضد تركيا مجسدا مبحث السلاح والكتابة قائلا :

       لا تستبين    العين    في   ظلماته      إلا     اشتعال  أسنة     المرّان             
       وضعوا السلاح إلى الصباح وأقبلوا       يتكلمون       بألسن    النيران
       ذكرت مواردها  بمصر وأين   من       ماء   بمصر  منازل  الرومان

   ومبحث السلاح عند البارودي في قصدة ’حرب كريت‘، انعكاس أخلاقه العامة كفارس من فرسان العرب، بصفته ضابطا في جيش مصر، أجاد في شعره المجدد المبدع الفخر، والحماسة، والوصف على غرار القدماء، فيقول في السلاح مجازا، وكناية واستعارة : أسنة (فصول الرماح)/ المران (الرماح الصلبة)، السلاح (الأبيض)/ النيران (المدافع)، ألسن النيران (القدائف)/ يتكلمون (يزمجرون).

   ومن الكتابة يلجأ الشاعر الذي غيب نفسه من المعركة ليصفها من فوق اتقاء ربما من عدم مشروعية الحرب على سكان كريت كما لو كانت بلده الأصلي مصر التي كانت ترزح تحت السيطرة العثمانية الجائرة، معتمدا التقابلات المتعارضة بين الصور المجازية المسترسلة مثل : العين في ظلمة (ظلام = ظلم)/ اشتعال أسنة المران (نور = حريق)، وضعوا السلاح إلى الصباح (استراحة = سلام مؤقت) ويتكلمون بألسن النيران (ألسن كلام البشر = صوت نيران المدافع والحرائق)، وذكرت مواردها ماء بصر (مصر = كريت)/ منازل الرومان ( سلم العرب بمصر = حرب العجم والترك بكريت)؛ ويحاكي عبد الله بن المعتز في قولة : "ذكرت بها من لا أبوح بذكره / وقد أذبلها في الكف حر تنفسي".

    ويقول ف. شكلوفسكي (V. Chklovski)  حول الصورة الشعرية : "الصورة الشعرية هي إحدى وسائل خلق إحساس أقصى. وكوسيلة، في وظيفتها، هي مساوية لباقي الأدوات الأخرى للغة الشعرية، إنها مساوية للتوازي البسيط والمنفي، مساوية للتشبيه، والتكرار، والمبالغة، إنها مساوية لكل ما يسمى تعبيرا بيانيا (...). والصورة الشعرية هي إحدى وسائل اللغة [الكتابة] الشعرية." – "Théorie de la littérature"،  Ed. du Seuil، ص.79-80.

     + ناصف اليازجي  (1800-1871م) : حيث يقول في نفس القصيدة التي يمدح بها أسعد باشا، قائد جيش البلاد الغربية بلبنان، قائلا حول السلاح والكتابة :

        بناة  العلى  بين  القنا  والبوارق      على صهوات الخيل تحت البوارق
        أقام  السرايا  ينفر  الموج  خيلها       بكل   لواء   فوق   لبنان  خافق
        تضيق بحار الشعر عنه وتستحي       ببحر لها في  بحر كيفية  غارق 

   وفي إطار مبحث السلاح، يقول ناصف اليازجي عبر مجازات، وكنايات، وتقابلات مستعملا أسلحة وتوابعها مثل : القنا (الرمح)/ البوارق (السيوف اللامعة)، الخيل تحت البوارق (الخيل تحت سيوف الفرسان)/ لواء خافق (راية الحرب التي يحملها الفارس). وفي هذا النطاق من الكتابة الشعرية كتب ر. جاكوبسن (R. Jakobson) قائلا : "تطابق التماثل على التجاور يمنح الشعر ماهيته التي هي من أقصاها إلى أقصاها رمزية، ومركبة، ومتعددة الدلالة، ماهية توحي بها بتوافق شديد مقولة غوثه (Goethe) (...) (كل ما يقع ليس سوى رمزا). وبعبارة أكثر تقنية : كل عنصر في مقطع شعري هو تشبيه." - Essais de linguistique" "générale، المصدر، 1963، ص.238.

   ومن حيث الكتابة الشعرية في وصف السلاح عند اليازجي، الاعتماد على الشيء وتوابعه، كما في ذكره : بناة العلا = فرسان المجد (بالسلاح)، على صهوات الخيل تحت البوارق = الفرسان حاملون السيوف فوق الخيل، أقام السرايا = نظم الغزوات وجهز جيشها بالسلاح (أسعد باشا)، لواء فوق لبنان خافق = العلم الوطني المنتصر الخافق فوق لبنان، وتضيق بحور الشعر عنه = يعجز قول الشعر وكتابته عن وصفه، في بحر كيفية غارق = الشاعر غارق في بحر الشعر  كغارق في بحر هائج لا نجاة له من الغرق تحت تلاطم أمواجه. وكما يقول ر. جاكوبسن ) (R. Jakobson : "إن تفوق الوظيفة الشعرية على الوظيفة المرجعية لا يمحو المرجعية (الاستقراء la dénotation -)، لكن يجعلها غامضة [تأليف، وكتابة، وقراءة الشعر]." – المصدر السابق، ص.ن.   

    6- والخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي في العصر الحديث  في المشرق (في ق20-21م) :
  
    ويبدو جليا مبحث الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي في العصر الحديث في المشرق (في 20-21م)، من خلال تعريف الشعر العربي الحديث في المشرق والمغرب [من الخليج إلى المحيط]، فيما أورده موقع ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، بقولها : "يقصد بهذا التعبير ما كتبه شعراء كثيرون على غير منهاج الشعر التقليدي أو الاتباعي (كلاسيك) في آداب لغتهم. وقد ظهر في الأدب العربي أواخر النصف الأول من القرن العشرين، ولاسيما علي الريحاني، والسياب، والملائكة، والمهاجرين العرب في عدد من بلدان أوربا التي قصدوها للاستقرار فيها، وخاصة إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، ثم الولايات الأمريكية. وكان من أبرز الاختلافات التي أثارها هذا الاتجاه ما أثير خول (الأصالة والمعاصرة) في كتابه وإنتاجه، على مدى عقود من السنوات، استغرقت حوالي قرن من الزمن." – "شعر عربي حديث"، www.ar.wipedia.org ، ص.1. ويتجلى من مبحث الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي ، (في ق20-21م)، ما يلي :

   أ- الخيل والكتابة الشعر العربي في العصر الحديث في 20م، بالمشرق :

   ونتبين من مبحث الخيل والكتابة في الشعر العربي (في 20-21م)، بالمشرق، من خلال شعر أحمد شوق (بمصر)، وفهد العسكر (بالكويت)، علما بأن الشعر في مصر تأثر بحركة جديدة في النصف الأول من القرن العشرين، فظهرت جماعة ممن تعلموا الإنجليزية وآدابها، منذ 1889، وتأثروا بمذاهبها الأدبية في الشعر من رومانسية، وواقعية رومانسية. وقد مثل هذه المدرسة عبد الرحمن شكري، والمازني، والعقاد قصد جعل الشعر معبرا عن النفس الإنسانية، ويكتب لا للعامة، أو لقرية أو أمة، وإنما للعقل، ولكل زمان ومكان. وهذا خلافا لما ذهب إليه شوقي، وحافظ، كما في الآتي :

   + أحمد شوقي (1868-1932م) : حيث يقول في قصيدة يرثي فيها ’مقدونيا‘، إثر ضياعها من يد العثمانيين، وغلبة البلغار عليهم، سنة 1912م، ومنها ’أدرنة‘، فسماها ’الأندلس الجديدة‘، كتجديد لكارثة الأندلس القديمة بالجزيرة الأيبيرية، سنة 1492م :

      يا   أخت  أندلس  عليك  سلام        هوت  الخلافة  عنك   والإسلام      
      بكما أصيب  المسلمون  وفيكما        دفن  اليراع  وغيب  الصمصام
      إذ    أنت   ناب   كل    كتيبة        طلعت   عليك  فريسة   وطعام
      وعفت قبور الفاتحين وفض عن        حفر  الخلائف  جندل   ورجام
      مقدونيا،   والمسلمون   عشيرة        كيف   الخؤولة  فيك  والأعمام
      السيف  عار،   والوباء  مسلط        والسيل  خوف  والثلوج   ركام
      ضاق   الحصار  كأنما  حلقاته        فلك،     ومقذوفاتها     أجرام  
     
     لا يجلي مبحث الخيل والفرسان في قصيدة ’رثاء مقدونيا‘ لأحمد شوقي هنا إلا استعارة وكناية لكون الموضوع وصف لهزيمة العثمانيين والمسلمين أمام البلغار المسيحيين، حيث غابت الفروسية والخيول رمز البطولة من طرف المسلمين، وصاروا محاصرين داخل المدن والحصون، إلا ما كان من كرات متفرقة لفرسان وخيول جيشهم المتفرق المتراجع والمنهار، واستشهاده المستميت، وتكبيد جيش الأعداء أرواحا كثيرة نتيجة ذلك، كما في قوله : أنت ناب = أنت منعة كناب الأسد،  كل كتيبة = قطعة من الجيش مشاة وفرسان يمتطون الخيول، جندل ورجام = كر وفر متفرق لخيل وفرسان الجيش العثماني المقاوم للغزو البلغاري الحاشد.

   ومن حيث الكتابة الشعرية نجد أ. شوقي في رثائه لمقدونيا يلجأ إلى الأرداف والتوابع للخيل والفروسية المجازية لغياب البطولة التقليدية الإسلامية عن ساحة الحرب، وحلول الهزيمة المأساوية الواقعة. وهو ما يجمله في ثنائية متعارضة مثل : دفن اليراع (ماتت الكتابة)/ وغيب الصمصام (غاب سيف الفارس المسلم المنتصر وخيله). كما يقول جورج لوكاكش (Georges Lukacs) : "ذلك لأن الأدب الملحمي العظيم ليس سوى طوباوية ملموسة داخل اللحظة التاريخية، وأن التباعد الذي تمنحه العروض [الكتابة] إلى كل ما تدعيه لا يمكنه سوى أن يحرم الملحمة من الصفات ذاتها التي تجعلها عظيمة – بمحو البطل وشموليته [الخيل] – لتحجيمها في غزل أو لعب غنائي [أي إلى رثاء]." – "La théorie du roman"، المصدر، ص.51-52.

    + فهد العسكر (1916-1951م) : حيث يقول في قصيدة حماسية في ’رثاء فلسطين‘ المحتلة، سنة 1949، بناء على وعد بلفور، سنة 1917، واستنهاض الهمم، من قلب وطنه الكويت، لتحريرها من العدو الصهيوني الغاصب :

      يا مهبط  الوحي   القديم   ومرقد       الرسل  الكرام   ومنبع   الأديان
      لا  تحزني ليست   بصفقة  رابح       يا أخت بل هي صفقة  الخسران
      ما   وعد ’بلفور‘   سوى   أمنية      ونداؤه   ضرب    من   الهديان
      أبناء    عدنان     وغسان   وما       ناديت  غير  الصيد   والشجعان
      الصامدون إذا الصفوف تلاحمت       وتصادم    الفرسان    بالفرسان
      والضاحكون   إذا الأسنة  والظبا       هتكت   ظلام   النقع    باللمعان
      والهاتفون    إذا  الدماء   تدفقت       أعني  دما  الأبطال    بالميدان
      وإذا الصوارم والقنا يوم  الوغى       ذرفت على الشهداء دمعا  قاني

  ومبحث الخيل والكتابة عند فهد العسكر تلميح وإشارات ورموز، لا تصريح لخيل فروسية وبطولة قائمة الوجود والنصر والاعتزاز، لأن عرب ومسلمي فلسطين تحت الاحتلال المستمر بموجب ’وعد بلفور‘ وأنصاره، وعصابات تنفيذه من الصهاينة الدخلاء المغتصبين الغربيين، وهو ما يعنيه الشاعر في قوله بشكل متقابل : أبناء عدنان وغسان (من الفرسان فوق خيولهم)/ الشجعان (الفوارس المنتصرة على خيلها)، الصامدون (الفرسان المقاومون باستماتة)/ إذا تصادم الفرسان بالفرسان (فرسان العرب/ فرسان صهيون)، الهاتفون إذا الدماء تدفقت (الصارخون وسط الدماء بخيولهم في وجه الأعداء)/ دم الأبطال بالميدان /(دم الشهداء وخيولهم في القتال)، شهداء يوم الوغى / (فرسان قتلى الغزو والاحتلال)/ ذرفت الشهداء دمعا قاني /(كل الأمهات والأهل تبكي فرسان شهداء تحرير فلسطين). ويرمز بغياب اسم الخيل صراحة، ربما إلى هزيمة سنة 1949، وغياب الفروسية عن مغالبة جبن العصابات الصهيونية الغاصبة، برعاية الانتداب الابريطاني والغرب المدان بجرم النازية والاستعمار بأسلحته النارية المغتصبة.

   وتترآى الكتابة عند فهد العسكر هكذا كتوفيق بين حماسة وفروسية الشعراء الأقدمين كزهير، وأبي تمام، والمتنبي المغيبة في غزو فلسطين من القوى الاستعمارية، في العصر الحديث. وهو شعر المقاومة الداعي للصمود، والتصدي من أجل التحرير الوطني والسياسي لأرض فلسطين الجريحة (في ق20-21م)، وهو ما يستشف من خلال التوازي المجازي الاستعاري مثل : يا مهبط الوحي (الكتب السماوية، والكتابة الإلهية) = يا فلسطين /(حيث القدس أول القبلتين وثاني الحرمين في الإسلام)، وما وعد بلفور (المكتوب سوى صفقة استعمارية) = سوى أمنية وضرب من الهديان / كتابة زيف صهيوني استعماري غربي مفضوح. والشاعر يقابل هنا بين حقيقة الكتابة السماوية لفلسطين العربية الخالدة / وزيف الكتابة الأرضية الصهيونية لوعد بلفور لإسرائيل المتغطرسة الزائلة باسمرار  المقاومة، وبعث فروسية التحرير الإسلامية - المسيحية العربية الصامدة.

     ب- السلاح والكتابة في الشعر العربي في العصر الحديث في (20-21م)، بالمشرق:

     وحول السلاح والكتابة في الشعر العربي في العصر الحديث ، في المشرق العربي (في 20-21م)،  يجب التذكير بأن الشعر الوطني الحديث هو الذي أخذ يعالج شؤون الأوطان، وآمال البلاد، وآلامها؛ وقد أسهم الشعراء المحدثون في البعث الوطني، والأحداث السياسية، والمقاومة ضد الاستعمار وفظاعته، وتغنوا بالحرية والاستقلال، والحكم الدستوري الديمقراطي، وحثوا الشعوب على الجهاد والكفاح، والإشادة بالأبطال المجاهدين والشهداء، وحض العرب على الوحدة والتقدم والتطور الحضاري الإنساني. وقد اشتهر بالشعر الوطني شعراء كثيرون، أمثال : شوقي، وحافظ، والرصافي، والزهاوي، والقروي، والعيسى (من المشرق العربي)، وعلال الفاسي، والشابي، ومفدي زكريا، والتيجاني، ورفيق المهدوي، وغيرهم (من المغرب الكبير). وعن مبحث السلاح والكتابة نستحضر من نصي شوقي، والعسكر ما يلي :

     + أحمد شوقي (1868-1932م) : حيث يقول في قصيدة ’رثاء مقدونيا‘ شقيقة الأندلس المفقودتين، واستحضار المأساة التاريخية التي مني بها العثمانيون  المسلمون الصامدون بسبب ضعف قوة فروسيتهم في مواجهة الحصار الاستعماري، والانهزام أمام جحافل وأسلحة جيوش الألبان البلغاريين المسيحيين المداهم :

       بكما أصيب  المسلمون وفيكما         دفن  اليراع  وغيب الصمصام
      إذ    أنت   ناب   كل    كتيبة        طلعت   عليك  فريسة   وطعام
      وعفت قبور الفاتحين وفض عن        حفر  الخلائف  جندل   ورجام
      السيف  عار،   والوباء  مسلط        والسيل  خوف  والثلوج   ركام
      ضاق   الحصار  كأنما  حلقاته        فلك،     ومقذوفاتها     أجرام  
     
    ومبحث السلاح والكتابة هنا عند شوقي هو بمأساة مقدونيا والحث على اليقظة وتمجيد المقاومة بالسلاح ضد الزحف المسيحي على ديار الإسلام. ويتجلى ذلك في تقابل مجازي استعاري بين الأندلس/ ومقدونيا، مثل قوله  : بكما أصيب المسلمون (هزموا بالسلاح)/ وفيكما دفن الصمصام (أقبر الفرسان المسلمون مع سيوفهم)، وعفت قبور الفاتحين (اندثرت آثار انتصارات الفرسان المسلمين بالسلاح)/ والسيف عار (السلاح مجرد من حامله المسلم عار ومذلة)، كأنما ضاق الحصار حلقات فلك /(حصار مقدونيا جعلها دائرة فلك تضيق حتى الاستسلام)/ مقذوفاتها أجرام (مدافع حصونها ترسل قدائف كالشهب من حولها كالأجرام السماوية الإلهية). وكلها كنايات وتشبيهات تدل على الوهن، وانتهاء عهد فروسية وبطولة المسلمين التاريخية في الحرب والسلاح، وحلول الهزيمة بهم في مقدونيا أمام غزو البلغار المسيحيين لها.

   وتشكل الكتابة في هذه القصيدة الرثائية لمقدونيا كأختها الأندلس المسلمتين المفقودتين عند شوقي ثنائية تقابل بين نوعين من الكتابة وهما : دفن اليراع /(أقبرت الكتابة الأدبية، والشعرية الإسلامية)، وغيب الصمصام /(اختفت كتابة الملحمة الحربية الإسلامية البطولية)، وعفت قبور الفاتحين /(دمرت المآثر التاريخية للعثمانيين كحفريات)،  وفض عن حفر الخلائف /(وانتهكت حرمة مقابر خلفاؤهم وما كان يحيط بها من كتابة وزخارف منقوشة مقدسة). وكما يقول جورج لوكاكش (Georges Lukacs) : "وبكل صرامة، لا يكون بطل الملحمة أبدا فردا. وفي كل الأزمان، اعتبرت كميزة أساسية للملحمة كون موضوعها ليس مصيرا شخصيا، ولكنه مصير مجموعة (...). فما هو رمز في المأساة يصبح واقعا في الملحمة : لثقل صلة بين  مصير وشمولية." – "La théorie du roman"، المصدر، ص.60-61.

     + فهد العسكر (1916-1951م) : وهو يقول في نفس القصيدة حول السلاح والكتابة في مناهضة ’احتلال فلسطين‘، واستنكار وعد بلفور الجائر والمخجل القاضي بإقامة دولة صهيونية فوق أرضها العربية الإسلامية المتسامحة بتعايش الديانات السماوية الثلاث فوقها، وصرخة لاستنهاض العزائم من أجل العمل علي تحريرها من قبضة الاستعمار العنصري الغاشم بالسلاح والكلمة، بقوله :

      يا مهبط  الوحي   القديم   ومرقد       الرسل  الكرام   ومنبع   الأديان
      ما   وعد ’بلفور‘   سوى   أمنية      ونداؤه   ضرب    من   الهديان
      أبناء    عدنان     وغسان   وما       ناديت  غير  الصيد   والشجعان
      الصامدون إذا الصفوف تلاحمت       وتصادم    الفرسان    بالفرسان
      والضاحكون   إذا الأسنة  والظبا       هتكت   ظلام   النقع    باللمعان
      والهاتفون    إذا  الدماء   تدفقت       أعني  دما  الأبطال    بالميدان
      وإذا الصوارم والقنا يوم  الوغى       ذرفت على الشهداء دمعا  قاني

  وفيما يخص مبحث السلاح والكتابة في قصيدة فهد العسكر نفسها حول رفض وعد بلفور، والدعوة إلى مقاومة الاحتلال بالسلاح والكلمة لتحرير فلسطين المحتلة  تحت تهديد أسلحة الدمار النووي والكيماوي، وذلك بالتلميح المجازي والرمزي الاستعماري الغربي المتحالف، من خلال الثنائيات التالية : أبناء عدنان وغسان/ ما ناديت غير الشجعان، الضاحكون /(الشجعان)/ إذا الأسنة والظبا هتكت ظلام النقع باللمعان (هجوم بالسلاح)، والهاتفون إذا الدماء تدفقت /(المحرضون على القتال بالسلاح)/ دم الأبطال بالميدان /(رغم سيلان الدماء وسط المعركة)، وإذا الصوارم والقنا يوم الوغى /(السلاح في الميدان)/  وذرفت على الشهداء دمعا قاني /(بكت الأمة دما على شهداء الفداء بفلسطين). وفي هذا الباب يقول ج. لوكاكش :

   "وليس للشعر الملحمي العظيم نفس القدرة. ويشكل بالنسبة له المعطى المحسوس والمبدأ الأخير، ومهما يكن؛ وهو تجريبي في أساسه الاستعلائي الذي يقرر كل شيء ويحدد كل شيء؛ وقد يحدث أن يكون قادرا على تسريع إيقاع الحياة، وقيادة ذلك الواقع الذي يتخفى أو يتلاشى إلى غاية تلك النهاية الطوباوية التي يحتوي عليها، من خلال شكله، فيتجاوز الحياة المتاحة تاريخيا، بامتداده وعمقه، واكتماله، وبروزه المحسوس، وترفه، وانتظامه." – المصدر ذاته، ص.38.

  وأما السلاح والكتابة عند فهد العسكر، فيمكن استجلاؤها من خلال ثنائية الكتابة الدينية/ والكتابة الدنيوية المتصارعتان في فلسطين المحتلة (في ق20-21م)، كرمز، وتلميح، وإشارة تاريخية قائمة، بقوله : مهبط الوحي القديم /(فلسطين ملتقى الكتب، والكتابة السماوية العادلة)، ووعد بلفور /(كتاب، وكتابة وثنية زائفة، أرضية وظالمة)، ومرقد الرسل الكرام ومنبع الأديان /(القدس الشريف)، وأرض أبناء عدنان وغسان الشجعان الساميين الأصلاء /(دعوة للكفاح المسلح لتحريرها)، وتصادم الفرسان بالفرسان /(صمود الفروسية المسلحة التاريخية للمسلمين ضد الأعداء الصهاينة وحلفائهم)، والضاحكون إذا الأسنة والظبا /(الأبطال المستخفون بمخاطر النزال وتقارع السلاح الحضاري)، والهاتفون إذا الدماء تدفقت (الداعون للحرب دون خوف وسط الدماء في ميدان المشروعية)، وإذا الصوارم والقنا ذرفت دموعا (السلاح عيون تبكي أمام أسلحة الدمار النووية والكيماوية الصهيونية الغربية)،  وذرفت على الشهداء دمعا قاني /(السلاح الأبيض كالأمهات تبكي دما على الشهداء الفلسطنيين حسرة وأملا في الحياة الحرة المنتظرة).

    وكما يقول ج. لوكاكش عن علاقة كتابة الشعر الملحمي بالوجود والحياة : "وهذه الصلة الغير قابلة للتدمير مع الوجود والبنية الفعلية للواقع، كحد فاصل بين الملحمة والمأساة، تنجم بالضرورة من أن موضوع كل شعر ملحمي ليس شيء آخر سوى الحياة." – المصدر السالف، ص.39.  

     7- الشعر العربي والخيل والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط في العصر الحديث (في 20-21م) في المغرب الكبير :
  
    وحول والخيل والسلاح والكتابة في الشعر الكبير : من الخليج إلى المحيط في العصر الحديث (في 20-21م)، يلزم لإشارة إلى أن الشعراء المحدثين ساهموا في البعث الوطني، والأحداث السياسية، والمقاومة ضد الاستعمار، ودعوا إلى الحرية والاستقلال، والحكم الدستوري الديمقراطي، وحث الشعوب على الكفاح، وأشادوا بالأبطال المجاهدين والشهداء، والحض على الوحدة والتقدم والتطور الحضاري الإنساني. وقد اشتهر في هذا المضمار شعراء في المغرب العربي، أمثال : علال الفاسي، والشابي، ومفدي زكريا، والتيجاني، ورفيق المهدوي، وغيرهم. وحول مبحث الخيل والكتابة في المغرب الأقصى نذكر على التوالي :

    أ- والخيل والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط  في العصر الحديث في 20م في المغرب الأقصى :

   والشعر العربي الحديث في المغرب صار شعرا ذا رسالة في أمته يسخر ليخلصها من عيوبها، ويرشدها إلى تحديث نفسها، وتقدمها وعلو شأنها بالعلوم والتكنولوجيات المتطورة (في ق20-21م)، لمنافسة غيرها من أجل المنعة والبقاء، كما هو الشأن عند محمد بن إبراهيم :  

     + محمد بن إبراهيم (1900-1955م) : حيث يقول في قصيدة بني وطني التي يرشد فيها أمته إلى أسباب القوة والمناعة والرقي بامتلاك علوم اق20، وتكنولوجياته المتطورة، وكسب رهان التنافسية بين الأمم في هذا المجال، وذلك  من خلال مجاز الخيل والسلاح والكتابة :
     بني  وطني  إن   الشعوب  وأهلها      قد   استيقظت   طرا   وأنتم   نوم
     فبالعلم  شادوا  في  البحار  مساكنا     وفيها  مع  الحيتان عاموا  وعوموا
     وبالعلم  سارت في  السماء ركابهم     وقد  أسرجوا متن  الرياح  وألجموا
     وبالعلم  إن كانوا  جلوسا  بمشرق      وفي الغرب من يبغي الكلام  تكلموا
     وبالعلم  قد  أفنى الفريقان  بعضهم      وما  اختلفت   بين  الفريقين  أسهم
     إليكم بيني الأوطان أشكو  صنيعكم      ولم    أشكو   إلا   منكم    وإليكم

    وفيما يخص مبحث الخيل في قصيدة بني وطني لمحمد بن إبراهيم، فإنه قائم على تصور مجازي للطائرة الحديثة، وهو ما يذكر بالخيل الأسطورية القديمة، وذلك من خلال قوله وفق كناية مجازية بناها على الأرداف والتوابع، مثل : وبالعلم سارت في السماء ركابهم (خيل فولاذية طائرة)/ وقد أسرجوا متن الرياح وألجموا (خيل فروسية ريحية في السماء).

   وتتمثل الكتابة في هذه القصيدة عند محمد بن إبراهيم في ثنائية الكلام/ والكتابة، بقوله : أشكو صنيعكم (أحاوركم شفاهة)/ ولم أشكو إلا منكم وإليكم (أحاوركم شعرا مكتوبا).  وفيما يتصل الاستعارة المجازية ركابهم (الطائرة) = أسرجوا متن الرياح وألجموا (الخيل الأسطورية الطائرة).  وحول نظرية المحاكاة في الكتابة الشعرية يقول محمد أحمد العزب : "أن نظرية المحاكاة تؤكد العلاقة الوثيقة بين الفن وبين التجربة الإنسانية  خارج مجال الفن، فالفن إما أن يكون ’مرآة‘ مباشرة ’للحياة‘ وإما أن ينهل من الحياة ويحاول إيضاحها (...). وإذن (فمحدودية) الوظيفة في الخلق الطبيعي مرفوضة. والفن أكثر إيغالا في الحرية من الطبيعة، فليست الكلمة، وليست الجملة، وليست السياقات في الشعر محدودة بحدود الوضعية القاموسية، ولكنها متمردة أساسا على كل الحدود والقيود." - "طبيعة الشعر وتخطيط النظرية في الشعر العربي"، المصدر، ص.86-87.

    + علال الفاسي (1910-1974م) : حيث يقول في قصيدة ذكرى المولد النبوي لعام 1378هـ/ 1958، التي يشيد فيها ببطولة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، سنتين بعد عودته من المنفى باستقلال المغرب، ومتطلعا إلى استكمال وحدته واستقلاله، وجلاء كل الجيوش الأجنبية عن ترابه، بمناسبة زيارته الميمونة لمدينة فاس :

        أمير  المؤمنين   به    استعدنا        وجودا    مشمخرا   وانتصابا
 وزرت   تزيدنا عزما    بفاس        وتملأ  روحنا  همما   غضابا
 رأينا   فارسا  يمضي    بعزم         وإيمان   ولم   يحمل   حرابا
 وثقت    بنا    فتيان    صدق         تصول  بنا    وتقتحم الصعابا
 وخضنا بعدها  غمرات    ذب         وكنت   لنا   بظلمتها  الشهابا
 سقيتك من قريضي   مترعات           سكرت بها وأسكرت الصحابا
 وها  أنذا   أبثك   في   مكاني         وأنشد    فيك   أبياتا   عرابا
 يقيني أن عزمك سوف يمضي          إلى  أن  يكمل   التحرير دأبا
 فتجلوا  عن  مرابعنا   جيوش           ونامن   في   قواعدنا  انتيابا

  ويتشكل مبحث الخيل عند علال الفاسي في قصيدة ذكرى المولد النبوي هذه عبر كناية مجازية بالتجاور لا باللفظ الصريح المباشر، وهو ما نجده في عبارات : رأينا فارسا = راكب فرس/ خيل (الملك محمد الخامس)، وثقت بنا فتيان صدق = فرسان/ وراكبي فرس/ خيل. ويقول م.هامير- بورغستال (M. Hammer - Purgstall) في هذا المعنى :

    "وكلمة بطل (héros) أولا التي يترجم إليها، في غياب ما هو أفضل، حتى الآن الكلمة العربية فتى (feta)، لا تفي بمعناها للتعبير عن معنى بطل (...). واسم فتوة (fetouet)، المشتقة من نفس الكلمة، لا يلزم أن تترجم كذلك بكلمة بطولة (héroïsme)، ولكن بفروسية  (chevalerie)(...). وقد كانت الفتوة مؤسسة فروسية دينية، تمنح بواسطتها درجة فتى، أي فارس، ليس من طرف الأمراء، ولكن من طرف الشيوخ (des cheikhs)، في مراسم ترتبط بمأدبة (...). وخليفة بغداد الناصر لدين الله، الذي امتد حكمه الطويل من 1180م إلى 1225م، كان أحد الأمراء الأكثر أسطورية والأكثر فروسية يذكره تاريخ الشرق (...)، أي أن لقب فارس منح أول مرة (سنة 578هـ/ 1182م)... – بارتداء الخليفة الناصر بذلة الفروسية [سروالا] على يد الشيخ عبد الجبار. وهذه المراسيم كانت مصحوبة بتناول كوب الفروسية (كأس الفتوة)... وفعل الترقي إلى درجة فارس كان إذن مصحوبا، ليس فقط بشرب كأس الفروسية، ولكن أيضا بتمارين رياضية خاصة جدا بمهنة الفارس [المحارب عامة]..." - – "La chevalerie des Arabes est antérieure à celle d'Europe"، المصدر، ص.2.  
   ونستخلص مبحث الكتابة والخيل هنا عند علال الفاسي من خلال الرمزية المجازية التي أعطاها للفروسية الروحية لمحمد الخامس ملك التحرير الوطني الذي لم قاوم دون حمل أي سلاح سوى تعلق شعبه المتين بعرشه، وإخلاصه لقضاياه وحبه المتبادل معه، حين يقول في تعارض بين ما هو وروحي/ ومادي في شخصه :  رأينا فارسا  يمضي بعزم وإيمان (فارس ذو قوة معنوية فاعلة)/  فارسا لم يحمل حرابا (فارس سلاحه حب شعبه لتضحيته وإخلاصه). وكما يقول د. محمد أحمد العزب : "والرمز بعض لغة [كتابة] القصيدة الناجحة. وهو اصطلاح يعطى لشيء منظور ليعطي للعقل صورة التماثل لشيء غير مرئي. ولكنه يفهم على أساس التداعي بين هذين الشيئين.. كما أن له أيضا تاريخا طويلا في عوالم ’اللاهوت‘ (الرمز أحد مرادفات العقيدة) والطقوس، والفنون الجميلة، والشعر العنصر المشترك في كل هذه الاستعمالات الدارجة، ربما كان ذلك الشيء الذي ينوب عن، أو يمثل شيئا آخر)." - "طبيعة الشعر وتخطيط النظرية في الشعر العربي"، المصدر أعلاه، ص.93.

    ب- الشعر العربي والسلاح والكتابة في العصر الحديث في 20م في المغرب الأقصى :

  وعن الشعر العربي والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط في العصر الحديث (في 20-21م)، في المغرب الأقصى، يحضرنا ما نقله الدكتور وليد قصاب عن الحرب والسلاح في الشعر العربي قائلا : "سأل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عمرو بن عدي كرب – شاعر العرب وفارسها – عن الحرب، فقال : ’مرة المذاق، إذا فلصت عن الساق، من صبر فيها عرف، وضعف عنها تلف (...)‘. وسأله عن السلاح، فقال  : الرمح أخوك، وربما خانك، والنبل منايا تخطئ وتصيب، والترس هو المجن، وعليه تدور الدوائر، والدرع مشغلة للفارس، متعبة للرجل، وإنها لحصن حصين...‘" – "من شعر الحرب في الجاهلية"، www.alukah.net ، ص.2. ويتجلى هذا المبحث عند :
          
   + علال الفاسي (1910-1974م) : حيث يقول عن السلاح والكتابة في قصيدة ذكرى المولد النبوي مبديا إعجابه ببطولة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، حاضا إياه على استكمال الوحدة الترابية للمغرب المستقل (1956-2012) بقيادة عرشه المجهد وشعبه الوفي حالا واستقبالا:

        أمير  المؤمنين   به   استعدنا        وجودا      مشمخرا   وانتصابا
 وزرت   تزيدنا عزما    بفاس        وتملأ  روحنا   همما   غضابا
 رأينا   فارسا  يمضي    بعزم         وإيمان    ولم   يحمل   حرابا
 وخضنا بعدها  غمرات    ذب         وكنت   لنا    بظلمتها  الشهابا
 سقيتك من قريضي   مترعات           سكرت بها وأسكرت  الصحابا
 وها  أنذا   أبثك    في  مكاني         وأنشد    فيك    أبياتا    عرابا
 يقيني أن عزمك سوف يمضي          إلى   أن  يكمل  التحرير  دأبا
 فتجلوا  عن  مرابعنا   جيوش           ونامن   في    قواعدنا   انتيابا
       
   ولوصف السلاح يسخر الشاعر علال الفاسي في تعبيره الاستعارة المجازية والكناية التجاورية مقابلا بين السلاح المادي/ والمعنوي للملك مثل : وزرت  فاس (سلاح تفقد مادي)/ تزيدنا عزما، وتملأ أرواحنا همما غضابا (سلاح معنوي)، رأينا فارسا  يمضي بعزم وإيمان (صورة لفارس مغوار يتقدم بسلاح مادي)/ ولم   يحمل حرابا (فارس سلاحه الوحيد معنوي هو عزمه وإيمانه)، وخضنا بعدها  غمرات ذب (مقاومة بالسلاح الناري ضد المستعمر)/ وكنت لنا بظلمتها الشهابا (سلاح معنوي عندما شاهد الشعب صورتك في القمر). ثم يدعو ممدوحه لاستكمال تحرير باقي التراب الوطني على نفس الوتيرة المجازية : يكمل التحرير  دأبا (التحرير بالسلاح المادي)/ إلى أن عزمك سوف يمضي (التحرير بالسلاح المعنوي).

   ومن حيث الكتابة، وخلافا للعادة يفصح الشاعر عن ذاته وعن شعره الملحمي مبرزا ثنائية القول الشعري/ والكتابة الشعرية (إلقاء شاعر، وتلقي جمهور مصاحب)، قائلا: سقيتك من قريضي   مترعات (كتابة أبيات شعري مادية مطربة)/ سكرت بها وأسكرت الصحابا (بلغ تأثري بطربها كرفاقي في الكفاح حد السكر المعنوي). وهو هنا يحاكي الشعراء المتصوفة في خمرتهم الروحية كمنصور الحلاج، وجلال الدين الرومي. وعن تنحي الشاعر الملحمي عن ذكر نفسه عادة، نقرأ في "موسوعة التعريف بالشعر العربي...من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث" قولها : "يسمى الشعر القصصي أو الملحمي لأنه يدور غالبا حول معارك حربية، وهو ذلك الشعر الذي لا يعبر عن ذات صاحبه [الشاعر]، ولكنه يدور حول أحداث أو بطولات وأبطال [محمد الخامس والشعب المغربي] في فترة محددة من تاريخ الأمة (...). وهو يصور حياة الجماعة بانفعالاتها وعواطفها بعيدا عن عواطفه وانفعالاته، ولا تظهر شخصيته إلا في أضيق الحدود. كما تعنيه عواطف الأبطال وانفعالاتهم أكثر من عواطفه وانفعالاته الخاصة." - "الشعر القصصي أو الملحمي المصدر السابق، ص.1.

     + مفدّى زكرياء (1913-1974م) : الذي يقول في مبحث الخيل والكتابة مباركا البلاد العربية والمغرب والجزائر والأقصى والكبير والعروبة الموحدة في انتظار استقلال موطنه الأصلي الجزائر (1955سنة) بعد استقلالها (سنة 1962) في قصيدته ’على عهد العروبة‘ منشدا على الخصوص :

     ودع (مراكش الحمرا)  تغني             خلاصا،  من   معذبها،   وعتقا
     بلاد المغرب العربي، (شرق)            وكانت    قبلة    العربي   شرقا
    وإما    بالجزائر     أنكرونا             سنخرق وصمة (الإجماع) خرقا
    وثبنا    كالكواسر    واتخذنا             إلى   استقلالنا  الأرواح   طرقا
     فلا نخشى العذاب  ولا نبالي              إذا وجب الفدى،  سجنا   وشنقا
     وأنا في الجزائر خير  شعب             عروبته   مدى   الأجيال  وثقى
     وأن (الوحدة الكبرى)  إذا ما              تحررت  الجزائر سوف  تبقى
    
      والواقع أن مبحث الخيل والكتابة تلميح لا تصريح عند مفدى زكرياء، اعتمدنا الاستعارات والكنايات والتوابع التي اعتمدها في قصيدته ’إلى العروبة‘ (سنة 1955) بحيث تكون مثلا : مراكش الحمرا / (المغرب الأقصى المدرج بدماء أبنائه فرسان المقاومة ضد الاستعمار، من أجل استقلاله وعودة ملكه من المنفى جلالة المغفور له محمد الخامس رحمه الله)، ووثبنا كالكواسر / (هاجم جيش التحرير الجزائر برجال كالنسور قوى الاحتلال الأجنبي، بسلاح كمخالب الوحوش الكاسرة)، وهم على متن الرياح بدل الخيول، ناشدين الاستقلال والعروبة والوحدة الكبرى بعد ذلك.

    وفي هذا الصدد نلاحظ قول م. أنطوان كومبانيون  (M. Antoine Compagnon): "بعد العرق والوسط، برينوتيير (Brunetière) يشدد على اللحظة (...) ويرفض أن يرى في العمل الأدبي التعبير عن شيء آخر (...) فقبالة الدوافع الخارجية فإن التأثر الأساسي الذي يجعل الأدب يتطور هو تأثير ’الأعمال على الأعمال‘ (...)." – "Brunetière et la doctrine de l’évolution des genres"،www.fabula.org ، ص.1-2.

   وعن الكتابة والخيل يجعل مفدى زكرياء من الأحداث المعاصر لحرب الجزائر واستقلال المغرب الأقصى موضوعا وأداة للتعبير المجازي المرسل لقصيدته، وذلك بالتقابل، فمراكش الحمراء/ دم الفرسان المغاربة المراق ضد الاستعمار، ولون المدينة المغربية، واسم المغرب ككل، كما أنه لون راية المغرب مع اللون الأخضر)، والكواسر/ هم رجال جيش التحير الجزائري المقاتلين للاحتلال في الجبال كالنسور وذلك بمثابة خيول وسلاح وفرسان ضارية القتال كالكواسر، إلخ.

      + أبو القاسم الشابي (1909-1934م) : الذي يعبر في اتجاه م. زكرياء عن في قصيدته ’إرادة الحياة‘ عن الرغبة في تحفيز المقاومة التحرر والنهوض والبقاء عند شعبه، ملمحا إلى ذلك تضمينا لمبحث الخيل والكتابة محفزا بلاده تونس والبلاد العربية والمغرب الكبير لركوب فروسية التقدم والرقي من أجل البقاء وذلك من خلال أبيات نفس القصيدة  التالية :

         إذا  الشعب يوما  أراد  الحياة          فلا بد  أن  يستجيب   القدر
         ولا  بد   لليل   أن    ينجلي           ولابد    للقيد   أن   ينكسر
         ومن  لم  يعانق أسباب الحياة           تبخر  في   جوها  واندثر
         هو الكون يبارك أهل الطموح          ومن لا يبالي ركوب الخطر
         ومن لا يحب  صعود  الجبال          يعش  أبد الدهر بين  الحفر

     ولا يستشف من أبيات قصيدة ’إرادة الحياة‘ للشابي صورة الخيل والكتابة إلا مجازا مرسلا حول ثورته على الجمود والتقاليد البالية وحث أمة بلاده تونس الخضراء على النهوض، ومقاومة الاستعمار البغيض، الذي امتص ماء الحياة من أبنائها، وتركهم حطاما في أسفل درجات الانحطاط. ومن الكنايات عن الخيل في النص : يعانق أسباب الحياة / (يعانق أسباب النصر كصهوة الخيول في ميدان القتال من أجل البقاء)، ركوب الخطر / (ركوب الفرسان خيول المقاومة المسلحة)، وصعود الجبال /(ركوب الخيول المطهمة للانتصار على الاستعمار الظالم). وأما الكتابة فهي مجازات، ورموز موحية بالكناية إجمالا. وقد جاء في مقال للموسوعة الحرة ’ويكيبيديا‘ (Wikipédia) عن ارتكاز السياسة الاستعمارية  على الدروينية الاجتماعية (le darwinisme social) بالقول أن : "على المستوى السياسي، استخدمت الدروينية الاجتماعية لتبرير عدة مفاهيم سياسية مرتبطة بسيطرة نخبة، وكثلة من الأحكام الجاهزة الأقل تأهيلا. ومن بينها، نجد الاستعمار، والنسالة (l’eugénisme)، والفاشية، وبالأخص النازية. وبالفعل، تعتبر هذه الإيديولوجية من المشروعية أن تختفي الأعراق البشرية، والكائنات الأكثر ضعفا وتترك المكان للأعراق والكائنات الأكثر تسلحا من أجل البقاء." –"Darwinisme social"، www.wikipedia.org  ، ص.2.

   وعن مبحث السلاح والكتابة في نص الشابي، فهو جملة من الاستعارات، والكنايات المستقاة من الطبيعة والميتافيزيقا الدينية مقابل الإنسان الفارس المنهزم المدعو للمقاومة للتحرر، والانعثاق من قيد الإرادة المشلولة والاستعمار في تونس آنئذ، مثال ثنائيات : الشعب أراد الحياة (الفروسية = خيل وسلاح وفارس)/ يستجيب القدر (نصر = القضاء على الاستعمار والتخلف)، ولا بد لليل أن ينجلي (زوال الظلامية = الظلم والجهل والضعف) / ولابد للقيد أن ينكسر (فك قيود الاستعمار = فك المعتقلين وعودة المنفيين وتقرير المصير الوطني)، ومن لم يعانق أسباب الحياة (التقدم = العلم وسلاح الحضارة الحديثة والتطور)/ تبخر في جوها واندثر (موت الشعوب المتخلفة عن ركب الحضارة الإنسانية)، والكون يبارك أهل الطموح / (لا بقاء لأهل الاستسلام والانهزامية في الكون)، ومن لا يبالي ركوب الخطر /(لا بقاء لمن لا يقاوم حتى الموت من الشعوب في الكون)، ومن لا يحب صعود الجبال (رمز استعاري لصهوة الخيل التي يحبها الفارس المغوار)/ يعش أب الدهر بين الحفر (عدم خوض معركة التطور = حتمية البقاء الذل والحرمان تحت سيطرة المنتصر والأقوى).  

    وفي الختام، يمكننا أن نجزم مع بنعيسى بوحمالة ، حول مباحث الخيل والسلاح والكتابة في الشعر العربي : من الخليج إلى المحيط، من خلال هذا المد البلاغي الزمني، بين شعراء  العربية، في المشرق والمغرب، باعتباره  قياسا موجزا للكتابة الشعرية العربية الجيو- تاريخية ما بين (ق6 - ق21)، بقوله : "من حدود القصيدة التفعيلية [أي منذ العصر الجاهلي]، (...)، من مدار التصييغات التشبيهية الكسولة والمهادنة [لعصر الانحطاط] إلى مدار المجازات، والترميزات الكبرى التي قد تكتسح، تخييليا، قصيدة برمتها، إن لم يكن ديوانا أو مجموعة دواوين (...). وإذن فإن منتهى ما يمكننا التطرق إليه، في حقيقة الأمر، هو المنحى الذي قد يسلكه شاعر ما في تمثل الواقع [قديما وحديثا] أو ما يدعى ’واقعا‘، أو بالأولى، حقيقة قائمة ومسبقة في الوعي الجمعي [كالخيل والسلاح والكتابة : من الخليج إلى المحيط]، بناء على انفعال وخبرة مخصوصين [في القول والكتابة الشعرية العربية]، ومنحها خلقة تخيلية توازي بها هيئتها المستتبة خارج حدود القصيدة، بل وتماديها، وتتفوق عليها إن لم نقل وتنازعها رمزيا [كمجاز استعاري، وكناية تجاورية، وأرداف وتوابع دلالية لرصد الواقع الجيو-سياسيى العربي وإشكالاته وتطوره عبر الزمن]." – "الشعرية المغربية: الناجز والمرجأ"،  www.qassida.hautefort.com ، ص.5. 
  
                                                      د. محمد صوصي علوي

No hay comentarios:

Publicar un comentario